الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( التأمين بعد الفاتحة )

                          عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا أمن الإمام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " وقال ابن شهاب : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : آمين . رواه الجماعة ، إلا أن الترمذي لم يذكر قول ابن شهاب ، وفي رواية : " إذا قال الإمام : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقولوا : آمين ، فإن الملائكة تقول : آمين ، وإن الإمام يقول : آمين ، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه أحمد والنسائي . وعن أبي هريرة قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تلا ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : آمين . حتى يسمع من يليه من الصف الأول " رواه أبو داود وابن ماجه وقال : " حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد " وعن وائل بن حجر قال : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقال : آمين . يمد بها صوته ، رواه أحمد وأبو داود والترمذي . اهـ ( منتقى الأخبار ) .

                          وهذه الأحاديث كلها صحيحة وأخرجها غير من ذكر ، وزاد أبو داود في الأخير منها " ورفع بها صوته " قال الحافظ ابن حجر : وسنده صحيح ، وخطأ ابن القطان في إعلانه إياه بجهالة حجر بن عنبس وقال : إنه ثقة معروف ، قيل : إن له صحبة .

                          وهنالك أحاديث أخرى في المسألة تبلغ مع هذه سبعة عشر حديثا ، وهذه أصحها .

                          قال الشوكاني في نيل الأوطار عند شرح حديث أبي هريرة الأول : والحديث يدل على مشروعية التأمين . قال الحافظ : وهذا الأمر عند الجمهور للندب ، وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه عملا بظاهر الأمر ، وأوجبته الظاهرية على كل من يصلي ، والظاهر من الحديث وجوبه على المأموم فقط ، لكن لا مطلقا بل مقيدا بأن يؤمن الإمام ، وأما الإمام والمنفرد فمندوب فقط .

                          ( قال ) : وحكى المهدي في البحر عن العترة جميعا ، أن التأمين بدعة ـ وقد عرفت ثبوته عن علي - رضي الله عنه - من فعله وروايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتب أهل البيت وغيرهم ـ على أنه قد حكى السيد العلامة الإمام محمد بن إبراهيم الوزير عن الإمام المهدي .

                          [ ص: 83 ] محمد بن المطهر وهو أحد أئمتهم المشاهير أنه قال في كتابه ( الرياض الندية ) : إن رواة التأمين جم غفير ، قال : وهو مذهب زيد بن علي وأحمد بن عيسى . ا هـ .

                          وقد استدل صاحب البحر على أن التأمين بدعة بحديث معاوية بن الحكم السلمي " إن هذه صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس " ولا شك أن أحاديث التأمين خاصة وهذا عام ، وإن كانت أحاديثه الواردة عن جمع من الصحابة لا يقوى بعضها على تخصيص حديث واحد من الصحابة ـ مع أنها مندرجة تحت تلك العمومات القاضية بمشروعية مطلق الدعاء في الصلاة ؛ لأن التأمين دعاء ، فليس في الصلاة تشهد ، وقد أثبته العترة ، فما هو جوابهم في إثباته فهو الجواب في إثبات ذلك . على أن المراد بكلام الناس في الحديث هو تكليمهم ؛ لأنه اسم مصدر كلم لا تكلم ويدل على ذلك السبب المذكور في الحديث .

                          والمراد بقوله السبب المذكور في الحديث : هو أن معاوية بن الحكم السلمي شمت عاطسا في الصلاة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فرماه القوم بأبصارهم فقال : وا ثكل أماه ، مالكم تنظرون إلي ؟ إلخ . وجملة القول : أن التأمين في الصلاة مشروع بنص الأحاديث الصحيحة الصريحة ، فلا وجه لمنعه بعموم أحاديث أخرى لا تنافيها ، ولو عارضتها لوجب ترجيحها عليها .

                          واختلف في موضعه بالنسبة إلى المأموم ، هل هو بعد قول الإمام : ( ولا الضالين ) أم عند قوله : " آمين " ؟ وهو مبني على أن بين الحديثين في ذلك تعارضا ، وهو غفلة عن كون الإمام إنما يؤمن بعد قوله : ( ولا الضالين ) كما صرح به في رواية أحمد والنسائي لحديث أبي هريرة فمعنى الحديثين متفق ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أمن الإمام فأمنوا " مبني على أن من شأن الإمام أن يؤمن عقب إتمام الفاتحة اتباعا للسنة فلا مفهوم للشرط فيه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية