الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 147 ] ( الفصل الثالث )

أنه يعتبر أن يجد الزاد والراحلة بالآلة التي تصلح لمثله من الغرائر ، وأوعية الماء ، وأن يكون الزاد مما يقتاته مثله في هذا الطريق طعاما وأدما ، وأن تكون آلات الراحلة مما تصلح لمثله . فإن كان ممن لا يمكنه الركوب إلا في محمل ونحوه بحيث يخاف السقوط اعتبر وجود المحمل ، وإن كان يكفيه الرحل والقتب بحيث لا يخشى السقوط أجزأه وجود ذلك سواء كانت عادته السفر في المحامل ، أو على الأقتاب والزوامل والرحال . وإن كان ممن يستحي من الركوب على الزوامل لكونه كان من الأشراف والأغنياء ... .

[ ص: 148 ] والأفضل أن يحج على الرحل والزاملة دون المحمل إذا أمكن ، لما روى عامر بن عبد الله بن أنس قال : ( حج أنس على رحل ولم يكن شحيحا ، وحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج على رحل ، وكانت زاملته ) . رواه البخاري . والزاملة : هي البعير الذي يحمل متاع الرجل وطعامه ، وازدمله : احتمله ، والزميل : الرديف ، والمزاملة : المعادلة على بعير .

وعن الربيع بن صبيح ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس قال : ( حج النبي - صلى الله عليه وسلم - على رحل رث ، وقطيفة تساوي أربعة دراهم ، أو لا تساوي ، ثم قال : [ ص: 149 ] ( اللهم حجة لا رياء فيها ، ولا سمعة ) . رواه ابن ماجه ، وفيهما كلام .

وهل يكره الحج في المحمل ؟ على روايتين : إحداهما : لا يكره ، قال في رواية صالح : والمحامل قد ركبها العلماء ورخص فيها .

والثانية : يكره ، قال في رواية عبد الله : عطاء كان يكره المحامل للرجل [ ص: 150 ] ولا يرى بها للنساء بأسا ، وقال عطاء : القباب على المحامل بدعة . وظاهره أنه أفتى بذلك .

وإذا كان يحتاج إلى من يخدمه في ركوبه وطعامه وغير ذلك : اعتبرت القدرة عليه بكراء ، أو شراء ، ويعتبر أن يجدهما في ملكه ، أو هما بكراء ، أو شراء إذا كان ذلك عوض مثلهما في غالب الأوقات في ذلك المكان ، وهو واجد له .

وإن وجد ذلك بزيادة يسيرة على عوض المثل لزمه الشراء والكراء . وإن كانت كثيرة تجحف بماله : لم يلزمه بذلها ، وإن كانت لا تجحف بماله ففيه وجهان :

وإن كان السعر غاليا في ذلك العام غلاء خارجا عن الأمر الغالب فقيل : يعتبر ثمن مثله في ذلك الوقت .

وسواء كان الثمن عينا أو دينا يمكنه اقتضاؤه بأن يكون على موسر باذل ، أو غائب يمكن إحضاره لم يلزمه ذلك .

[ ص: 151 ] ثم إن كان يجد الزاد في بعض المنازل ، أو في كل منزل : لم يلزمه حمله من مصره ، بل عليه حمله من موضع وجوده إلى موضع وجوده ، وإن لم يجد فعليه حمله سواء كان من عادته أن يكون موجودا فيما بينه وبين مكة ، أو لا .

وأما الماء له ولدوابه وعلف الرواحل ، فمن عادته أن يكون موجودا في بعض المنازل فعليه حمله من موضع وجوده على ما جرت به العادة الغالبة .

فإن لم يكن في الطريق ماء ولا علف ، فقال القاضي وأبو الخطاب وأكثر أصحابنا : ليس عليه حمله من بلده ، ولا من أقرب الأمصار إلى مكة ؛ لأن هذا يشق ، ولم تجر العادة به ، ولا يتمكن من حمل الماء لبهائمه في جميع الطرق ... .

وقال ابن عقيل : حكم علف البهائم : حكم زاده في وجوب حمله إذا لم يكن موجودا في الطريق .

التالي السابق


الخدمات العلمية