الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب العتق والوصية في المرض

أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته ليس له مال غيرهم ، وذكر الحديث .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فعتق البتات في المرض إذا مات المعتق من الثلث ، وهكذا الهبات والصدقات في المرض ; لأن كله شيء أخرجه المالك من ملكه بلا عوض مال أخذه ، فإذا أعتق المريض عتق بتات وعتق تدبير لوصية بدئ بعتق البتات قبل عتق التدبير والوصية وجميع الوصايا فإن فضل من الثلث فضل [ ص: 100 ] عتق منه التدبير والوصايا وأنفذت الوصايا لأهلها ، وإن لم يفضل منه فضل لم تكن وصية وكان كمن مات لا مال له ، وهكذا كل ما وهب فقبضه الموهوب له أو تصدق به فقبضه ; لأن مخرج ذلك في حياته وأنه مملوك عليه إن عاش بكل حال لا يرجع فيه فهي كما لزمه بكل حال في ثلث ماله بعد الموت ، وفي جميع ماله إن كانت له صحة والوصايا بعد الموت لم تلزمه إلا بعد موته فكان له أن يرجع فيها في حياته ، فإذا أعتق رقيقا له لا مال له غيرهم في مرضه ثم مات قبل أن تحدث له صحة فإن كان عتقه في كلمة واحدة مثل أن يقول : إنهم أحرار ، أو يقول رقيقي أو كل مملوك لي حر أقرع بينهم فأعتق ثلثه وأرق الثلثان ، وإن أعتق واحدا ، أو اثنين ثم أعتق من بقي بدئ بالأول ممن أعتق فإن خرج من الثلث فهو حر ، وإن لم يخرج عتق ما خرج من الثلث ورق ما بقي ، وإن فضل من الثلث شيء عتق الذي يليه . ثم هكذا أبدا لا يعتق واحد حتى يعتق الذي بدأ بعتقه ، فإن فضل فضل عتق الذي يليه ; لأنه لزمه عتق الأول قبل الثاني ، وأحدث عتق الثاني ، والأول خارج من ملكه بكل حال إن صح وكل حال بعد الموت إن خرج من الثلث ، فإن لم يفضل من الثلث شيء بعد عتقه فإنما أعتق ، ولا ثلث له .

( قال ) وهكذا لو قال : لثلاثة أعبد له : أنتم أحرار . ثم قال : ما بقي من رقيقي حر بدئ بالثلاثة . فإن خرجوا من الثلث أعتقوا معا ، وإن عجز الثلث عنهم أقرع بينهم ، وإن عتقوا معا وفضل من الثلث شيء أقرع بين من بقي من رقيقه إن لم يحملهم الثلث ، ولو كان مع هؤلاء مدبرون وعبيد . وقال : إن مت من مرضي فهم أحرار بدئ بالذين أعتق عتق البتات فإن خرجوا من الثلث ، ولم يفضل شيء لم يعتق مدبر ، ولا موصى بعتقه بعينه ، ولا صفته ، وإن فضل من الثلث عتق المدبر والموصي بعتقه بعينه وصفته ، وإن عجز عن أن يعتقوا منه كانوا في العتق سواء لا يبدأ المدبر على عتق الوصية ; لأن كلا وصية ، ولا يعتق بحال إلا بعد الموت وله أن يرجع في كل في حياته ، ولو كان في المعتقين في المرض عتق بتات إماء فولدن بعد العتق وقبل موت المعتق فخرجوا من الثلث ، ولم يخرج الولد عتقوا ، والإماء من الثلث والأولاد أحرار من غير الثلث ; لأنهم أولاد حرائر .

ولو كانت المسألة بحالها وكان الثلث ضيقا عن أن يخرج جميع من أعتق من الرقيق عتق بتات قومنا ، والإماء كل أمة منهن معها ولدها لا يفرق بينها وبينه . ثم أقرعنا بينهم فأي أمة خرجت في سهم العتق عتقت من الثلث وتبعها ولدها من غير الثلث ; لأنا قد علمنا أنه ولد حرة لا يرق ، وإذا ألغينا قيم الأولاد الذين عتقوا بعتق أمهم فزاد الثلث أعدنا القرعة بين من بقي . فإن خرجت أمة معها ولدها أعتقت من الثلث وعتق ولدها ; لأنه ابن حرة من غير الثلث ، فإن بقي من الثلث شيء أعدناه هكذا أبدا حتى نستوظفه كله .

( قال ) وإن ضاق ما يبقى من الثلث فعتق ثلث أم ولد منهن عتق ثلث ولدها معها ورق ثلثاه كما رق ثلثاها . ويكون حكم ولدها حكمها فما عتق منها قبل ولاده عتق منه ، وإذا وقعت عليها قرعة العتق فإنما أعتقناها قبل الولادة . وهكذا لو ولدتهم بعد العتق البتات وموت المعتق لأقل من ستة أشهر ، أو أكثر .

( قال الشافعي ) وإذا أوصى الرجل بعتق أمة بعد موته فإن مات من مرضه ، أو سفره فولدت قبل أن يموت الموصي فولدها مماليك ; لأنهم ولدوا قبل أن يعتق في الحين الذي لو شاء أرقها وباعها ، وفي الحين الذي لو صح بطلت وصيتها ، ولو كان عتقها تدبيرا كان فيه قولان : أحدهما هذا ; لأنه يرجع في التدبير ، والآخر أن ولدها بمنزلتها ; لأنه عتق واقع بكل حال ما لم يرجع فيه ، وقد اختلف في الرجل يوصي بالعتق ووصايا غيره فقال : غير واحد من المفتين يبدأ بالعتق ثم يجعل ما بقي من الثلث في الوصايا فإن لم يكن في الثلث فضل عن العتق فهو رجل أوصى فيما ليس له .

( قال ) ولست أعرف في هذا أمرا يلزم من أثر ثابت ، ولا إجماع لا اختلاف فيه ثم اختلف قول من [ ص: 101 ] قال : هذا في العتق مع الوصايا فقال : مرة بهذا وفارقه أخرى فزعم أن من قال : لعبده إذا مت فأنت حر وقال : إن مت من مرضي هذا فأنت حر فأوقع له عتقا بموته بلا وقت بدئ بهذا على الوصايا فلم يصل إلى أهل الوصايا وصية إلا فضلا عن هذا وقال : إذا قال : اعتقوا عبدي هذا بعد موتي ، أو قال : عبدي هذا حر بعد موتي بيوم ، أو بشهر ، أو وقت من الأوقات لم يبدأ بهذا على الوصايا وحاص هذا أهل الوصايا واحتج بأنه قيل : يبدأ بالعتق قبل الوصية وما أعلمه قال يبدأ بالعتق قبل الوصية مطلقا ، ولا يحاص العتق الوصية مطلقا بل فرق القول فيه بغير حجة فيما أرى والله المستعان .

( قال ) ولا يجوز في العتق في الوصية إلا واحد من قولين إما أن يكون العتق إذا وقع بأي حال ما كان بدئ على جميع الوصايا فلم يخرج منها شيء حتى يكمل العتق وإما أن يكون العتق وصية من الوصايا يحاص بها المعتق أهل الوصايا فيصيبه من العتق ما أصاب أهل الوصايا من وصاياهم ويكون كل عتق كان وصية بعد الموت بوقت ، أو بغير وقت سواء ، أو يفرق بين ذلك خبر لازم ، أو إجماع ، ولا أعلم فيه واحدا منهما فمن قال : عبدي مدبر ، أو عبدي هذا حر بعد موتي ، أو متى مت ، أو إن مت من مرضي هذا ، أو أعتقوه بعد موتي ، أو هو مدبر في حياتي ، فإذا مت فهو حر فهو كله سواء ومن جعل المعتق يحاص أهل الوصايا فأوصى معه بوصية حاص العبد في نفسه أهل الوصايا في وصاياهم فأصابه من العتق ما أصابهم ورق منه لم يخرج من الثلث وذلك أن يكون ثمن العبد خمسين دينارا وقيمة ما يبقى من ثلثه بعد العتق خمسين دينارا فيوصى بعتق العبد ويوصي لرجل بخمسين دينارا ولآخر بمائة دينار فيكون ثلثه مائة ووصيته مائتين فلكل واحد من الموصى لهم نصف وصيته فيعتق نصف العبد ويرق نصفه ويكون لصاحب الخمسين خمسة وعشرون وللموصى له بالمائة خمسون .

التالي السابق


الخدمات العلمية