الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 179 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سورة طه

سميت سورة ( طاها ) باسم الحرفين المنطوق بهما في أولها .

ورسم الحرفان بصورتهما لا بما ينطق به الناطق من اسميهما تبعا لرسم المصحف كما تقدم في سورة الأعراف . وكذلك وردت تسميتها في كتب السنة في حديث إسلام عمر بن الخطاب كما سيأتي قريبا .

وفي تفسير القرطبي عن مسند الدرامي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله تبارك وتعالى قرأ ( طاها ) " ( باسمين ) " قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا : طوبى لأمة ينزل هذا عليها الحديث .

قال ابن فورك : معناه أن الله أظهر كلامه وأسمعه من أراد أن يسمعه من الملائكة ، فتكون هذه التسمية مروية عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - .

وذكر في الإتقان عن السخاوي أنها تسمى أيضا " سورة الكليم " ، وفيه عن الهذلي في كامله أنها تسمى " سورة موسى " .

[ ص: 180 ] وهي مكية كلها على قول الجمهور . واقتصر عليه ابن عطية وكثير من المفسرين .

وفي الإتقان أنه استثني منها آية ( فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) الآية .

واستظهر في الإتقان أن يستثنى منها قوله تعالى ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ) الآية . لما أخرج أبو يعلى والبزار عن أبي رافع قال : أضاف النبيء - صلى الله عليه وسلم - ضيفا فأرسلني إلى رجل من اليهود أن أسلفني دقيقا إلى هلال رجب فقال : لا ، إلا برهن ، فأتيت النبيء فأخبرته فقال : أما والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض . فلم أخرج من عنده حتى نزلت ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ) الآية اهـ .

وعندي أنه إن صح حديث أبي رافع فهو من اشتباه التلاوة بالنزول . فلعل النبيء - صلى الله عليه وسلم - قرأها متذكرا فظنها أبو رافع نازلة ساعتئذ ولم يكن سمعها قبل ، أو أطلق النزول على التلاوة . ولهذا نظائر كثيرة في المرويات في أسباب النزول كما علمته غير مرة .

وهذه السورة هي الخامسة والأربعون في ترتيب النزول نزلت بعد سورة مريم وقبل سورة الواقعة . ونزلت قبل إسلام عمر بن الخطاب لما روى الدارقطني عن أنس بن مالك ، وابن إسحاق في سيرته عنه قال : خرج عمر متقلدا بسيف . فقيل له : أن ختنك وأختك قد صبوا ، فأتاهما عمر وعندهما خباب بن الأرت يقرئهما سورة " طاها " ، فقال : أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرأه ، فقالت له أخته : إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ . فقام عمر وتوضأ وأخذ الكتاب فقرأ طه . فلما قرأ صدرا منها قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه إلى آخر القصة .

وذكر الفخر عن بعض المفسرين أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة .

[ ص: 181 ] وكان إسلام عمر في سنة خمس من البعثة قبيل الهجرة الأولى إلى الحبشة فتكون هذه السورة قد نزلت في سنة خمس أو أواخر سنة أربع من البعثة .

وعدت آيها في عدد أهل المدينة ومكة مائة وأربعا وثلاثين وفي عدد أهل الشام مائة وأربعين ، وفي عدد أهل البصرة مائة واثنتين وثلاثين . وفي عدد أهل الكوفة مائة وخمسا وثلاثين .

التالي السابق


الخدمات العلمية