الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب جواز المعاونة في الوضوء

                                                                                                                                            220 - ( عن المغيرة بن شعبة { أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، وأنه ذهب لحاجة له ، وأن مغيرة جعل يصب الماء عليه وهو يتوضأ ، فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ، ومسح على الخفين ، } أخرجاه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث اتفقا عليه بلفظ : { كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال لي : يا مغيرة خذ الإداوة فأخذتها ثم خرجت معه وانطلق حتى توارى عني حتى قضى حاجته ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين فذهب يخرج يده من كمها فضاق ، فأخرج يده من أسفلها فصببت عليه فتوضأ وضوءه للصلاة ثم مسح على خفيه } الحديث يدل على جواز الاستعانة بالغير في الوضوء ، وقد قال بكراهتها العترة والفقهاء . قال في البحر : والصب جائز إجماعا إذ صبوا عليه صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ .

                                                                                                                                            وقال الغزالي وغيره من أصحاب الشافعي إنه إنما استعان به لأجل ضيق الكمين وأنكره ابن الصلاح وقال : الحديث يدل على الاستعانة مطلقا ; لأنه غسل وجهه أيضا وهو يصب عليه ، وذكر بعض الفقهاء أن الاستعانة كانت بالسفر فأراد أن لا يتأخر عن الرفقة ، قال الحافظ في التلخيص : وفيه نظر . واستدل من قال بكراهة [ ص: 222 ] الاستعانة بقوله صلى الله عليه وسلم لعمر وقد بادر ليصب الماء على يديه : ( أنا لا أستعين في وضوئي بأحد ) . قال النووي في شرح المهذب : هذا حديث باطل لا أصل له . وقد أخرجه البزار وأبو يعلى في مسنده من طريق النضر بن منصور عن أبي الجنوب عقبة بن علقمة ، والنضر ضعيف مجهول لا يحتج به .

                                                                                                                                            قال عثمان الدارمي ، قلت لابن معين : النضر بن منصور عن أبي الجنوب وعنه ابن أبي معشر تعرفه ؟ قال : هؤلاء حمالة الحطب . واستدلوا أيضا بحديث ابن عباس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكل طهوره إلى أحد } أخرجه ابن ماجه والدارقطني وفيه مطهر بن الهيثم وهو ضعيف . وقد ثبت " أنه صلى الله عليه وسلم استعان بأسامة بن زيد في صب الماء على يديه في الصحيحين وأنه استعان بالربيع بنت معوذ في صب الماء على يديه " أخرجه الدارمي وابن ماجه وأبو مسلم الكجي من حديثها ، وعزاه ابن الصلاح إلى أبي داود والترمذي . قال الحافظ : وليس في رواية أبي داود إلا أنها أحضرت له الماء حسب . وأما الترمذي فلم يتعرض فيه للماء بالكلية ، نعم في المستدرك " أنها صبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء فتوضأ وقال لها : اسكبي فسكبت " .

                                                                                                                                            وروى ابن ماجه عن أم عياش أنها قالت : { كنت أوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائمة وهو قاعد } قال الحافظ : وإسناده ضعيف . واستعان في الصب بصفوان بن عسال وسيأتي ، وغاية ما في هذه الأحاديث الاستعانة بالغير على صب الماء ، وقد عرفت أنه مجمع على جوازه وأنه لا كراهة فيه ، إنما النزاع في الاستعانة بالغير على غسل أعضاء الوضوء ، والأحاديث التي فيها ذكر عدم الاستعانة لا شك في ضعفها ولكنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وكل غسل أعضاء وضوئه إلى أحد وكذلك لم يأت من أقواله ما يدل على جواز ذلك ، بل فيها أمر المعلمين بأن يغسلوا وكل أحد منا مأمور بالوضوء . فمن قال : إنه يجزئ عن المكلف نيابة غيره في هذا الواجب فعليه الدليل ، فالظاهر ما ذهبت إليه الظاهرية من عدم الإجزاء وليس المطلوب مجرد الأثر كما قال بعضهم ، بل ملاحظة التأثير في الأمور التكليفية أمر لا بد منه ; لأن تعلق الطلب لشيء بذات قاض بلزوم إيجادها له ، وقيامه بها لغة وشرعا إلا لدليل يدل على عدم اللزوم فما وجد من ذلك مخالفا لهذه الكلية فلذلك .

                                                                                                                                            221 - ( وعن صفوان بن عسال ، قال : { صببت الماء على النبي صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر في الوضوء . } رواه ابن ماجه ) . الحديث أخرجه البخاري في التاريخ الكبير ، قال الحافظ : وفيه ضعف . قلت : ولعل وجه الضعف كونه في إسناده حذيفة بن أبي حذيفة . وهو يدل على جواز الاستعانة بالغير [ ص: 223 ] في الصب ، وقد تقدم الكلام عليه في الذي قبله .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية