الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( ولا يجوز أن يقاتل من لم تبلغه الدعوة إلى الإسلام إلا أن يدعوه ) لقوله [ ص: 228 ] عليه الصلاة والسلام { في وصية أمراء الأجناد : فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله }ولأنهم بالدعوة يعلمون أنا نقاتلهم على الدين لا على سلب الأموال وسبي الذراري ، فلعلهم يجيبون فنكفى مؤنة القتال ، ولو قاتلهم قبل الدعوة أثم للنهي ، ولا غرامة لعدم العاصم وهو الدين أو الإحراز بالدار فصار كقتل النسوان والصبيان .

                                                                                                        ( ويستحب أن يدعو من بلغته الدعوة ) مبالغة في الإنذار ، ولا يجب ذلك لأنه صح { أن النبي عليه الصلاة والسلام أغار على بني المصطلق وهم غارون . وعهد إلى أسامة رضي الله عنه أن يغير على أبنى صباحا ثم يحرق }والغارة لا تكون بدعوة .

                                                                                                        [ ص: 229 ] قال : ( فإن أبوا ذلك استعانوا بالله عليهم وحاربوهم ) لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث سليمان بن بريدة : { فإن أبوا ذلك فادعهم إلى إعطاء الجزية إلى أن قال : فإن أبوها فاستعن بالله عليهم وقاتلهم }ولأنه تعالى هو الناصر لأوليائه والمدمر على أعدائه فيستعان به في كل الأمور .

                                                                                                        قال : ( ونصبوا عليهم المجانيق ) كما نصب رسول الله عليه الصلاة والسلام على الطائف .

                                                                                                        [ ص: 230 ] ( وحرقوهم ) { لأنه عليه الصلاة والسلام أحرق البويرة }.

                                                                                                        قال : ( وأرسلوا عليهم الماء وقطعوا أشجارهم وأفسدوا زروعهم ) لأن في جميع ذلك إلحاق الكبت والغيظ بهم وكسر شوكتهم وتفريق جمعهم فيكون مشروعا .

                                                                                                        ( ولا بأس برميهم وإن كان فيهم مسلم أسير أو تاجر ) لأن في الرمي دفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام ، وقتل الأسير والتاجر ضرر خاص [ ص: 231 ] ولأنه قلما يخلو حصن عن مسلم ، فلو امتنع باعتباره لانسد بابه ( وإن تترسوا بصبيان المسلمين أو بالأسارى لم يكفوا عن رميهم ) لما بينا ( ويقصدون بالرمي الكفار ) لأنه إن تعذر التمييز فعلا فلقد أمكن قصدا والطاعة بحسب الطاقة وما أصابوه منهم لا دية عليهم ، ولا كفارة ; لأن الجهاد فرض والغرامات لا تقرن بالفروض ، بخلاف حالة المخمصة لأنه لا يمتنع مخافة الضمان لما فيه من إحياء نفسه .

                                                                                                        أما الجهاد : فمبني على إتلاف النفس فيمتنع حذار الضمان .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الرابع : { قال عليه السلام في وصية أمراء الأجناد : فادعهم إلى شهادة أن لا [ ص: 228 ] إله إلا الله }قلت : تقدم في حديث بريدة : { ادعهم إلى الإسلام }.

                                                                                                        قوله : ولو قاتل قبل الدعوة أثم ، للنهي قلت : تقدم في حديث فروة بن مسيك ، قلت : { يا رسول الله أقاتل بمقبل قومي مدبرهم ؟ قال : نعم ، فلما وليت دعاني ، فقال : لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام } ، مختصر ، وفي حديث { علي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين بعثه إلى اليمن : لا تقاتل قوما حتى تدعوهم }انتهى .

                                                                                                        الحديث الخامس ، والسادس : وقد صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق . وهم غارون ، وعهد إلى أسامة أن يغير على أبنى صباحا ، ثم يحرق }قلت : حديث بني المصطلق أخرجه البخاري ، ومسلم عن ابن عون ، قال : { كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال ، فكتب إلي : إنما كان ذلك في أول الإسلام ، قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق ، وهم غارون ، وأنعامهم تسقى على الماء ، فقتل مقاتلتهم ، وسبى ذراريهم ، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث ، حدثني به عبد الله بن عمر ، وكان في ذلك الجيش }انتهى .

                                                                                                        وحديث أسامة : أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إليه ، فقال : أغر على [ ص: 229 ] أبنى صباحا ، وحرق }انتهى .

                                                                                                        قال المنذري في " حواشيه " : غارون بتشديد الراء هكذا قيده غير واحد وقال الفارسي : أظنه غادون بالدال المهملة المخففة فإن صحت رواية الراء فوجهه أنهم ذو غرة ، أي أتاهم الجيش على غرة منهم ، فإن الغار هو الذي يغر غيره ، ولا وجه له هنا ، وهذا الذي قاله فيه تكلف ، فقد قال الجوهري ، وغيره : الغافل انتهى . وأبنى بضم الهمزة ، وسكون الباء الموحدة ، بعدها نون ، وألف مقصورة موضع من فلسطين بين عسقلان والرملة ، ويقال : يبنى بياء مضمومة آخر الحروف

                                                                                                        انتهى .

                                                                                                        وزعم الحازمي في " الناسخ والمنسوخ " أن حديث ابن عمر المتقدم ناسخ للأحاديث التي فيها الدعوة ، وهو صريح في ذلك ، فإنه قال فيه : إنما كان ذلك في أول الإسلام ، ثم ساق من طريق أبي عوانة ثنا يوسف بن سعيد بن مسلم ثنا علي بن بكار عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار على خيبر يوم الخميس ، وهم غارون ، فقتل المقاتلة ، وسبى الذرية }انتهى .

                                                                                                        قال : وقد جمع بعض العلماء بين الأحاديث ، فقال : الأحاديث الأول محمولة على الأمر بدعاء من لم تبلغهم الدعوة ، وأما بنو المصطلق ، وأهل خيبر ، فإن الدعوة كانت بلغتهم ، انتهى .

                                                                                                        الحديث السابع : قال عليه السلام في حديث سليمان بن بريدة .

                                                                                                        { فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، إلى أن قال : فإن أبوا فاستعن بالله عليهم ، وقاتلهم }قلت : تقدم ذلك في حديث سليمان بن بريدة عن أبيه .

                                                                                                        الحديث الثامن : روي { أنه عليه السلام نصب المنجنيق تحرزا على الطائف }قلت : ذكره [ ص: 230 ] الترمذي في " الاستئذان " معضلا ، ولم يصل سنده به ، فقال : قال قتيبة : ثنا وكيع عن رجل عن ثور بن يزيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على الطائف }.

                                                                                                        قال قتيبة : قلت لوكيع : من هذا الرجل ؟ قال : صاحبكم عمر بن هارون انتهى .

                                                                                                        ورواه أبو داود في " المراسيل " عن مكحول { أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المناجيق على أهل الطائف } ، انتهى ورواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا قبيصة بن عقبة أنا سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن مكحول ، فذكره وزاد : { أربعين يوما }ورواه العقيلي في " ضعفائه " مسندا من حديث عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن أبي صادق عن علي قال : { نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجنيق على أهل الطائف }انتهى .

                                                                                                        وقال الواقدي في " كتاب المغازي " : { وقال سلمان الفارسي يومئذ : يا رسول الله أرى أن تنصب عليهم المجانيق ، فإنا كنا بأرض فارس ننصب المجانيق على الحصون فنصيب من عدونا ، وإن لم يكن منجنيق طال المقام ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل منجنيقا بيده ، فنصبه على حصن الطائف ، ويقال : قدم بالمنجنيق يزيد بن ربيعة ، وقيل : غيره }.

                                                                                                        الحديث التاسع : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق البويرة }قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير ، وحرق وهي البويرة وفيها نزلت { ما قطعتم من لينة أو تركتموها } }الآية انتهى .

                                                                                                        أخرجه البخاري في " المغازي " عن آدم ، وفي " التفسير " عن قتيبة ، ومسلم في " المغازي " عن يحيى بن يحيى ، وقتيبة ، ومحمد بن رمح أربعتهم عنه به ، وأبو داود في [ ص: 231 ] الجهاد " ، والترمذي والنسائي في " السير " ، وفي " التفسير " عن قتيبة به ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وابن ماجه في " الجهاد " عن محمد بن رمح به ، والله أعلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية