الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [107-109] قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا .

                                                                                                                                                                                                                                      قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري : أمر بالإعراض عنهم واحتقارهم والازدراء بشأنهم ، وأن لا يكترث بهم وبإيمانهم وبامتناعهم عنه . وإنهم إن لم يدخلوا في الإيمان ولم يصدقوا بالقرآن وهم أهل جاهلية وشرك ، فإن خيرا منهم وأفضل ، وهم العلماء الذين قرأوا الكتب وعلموا ما الوحي وما الشرائع ، قد آمنوا به وصدقوه ، وثبت عندهم أنه النبي العربي الموعود في كتبهم . فإذا تلي عليهم خروا سجدا وسبحوا الله تعظيما لأمره ، ولإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة ، وبشر به من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه . وهو المراد بالوعد في قوله : إن كان وعد ربنا لمفعولا

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قلت : إن الذين أوتوا العلم تعليل لماذا ؟ قلت : يجوز أن يكون تعليلا لقوله : آمنوا به أو لا تؤمنوا وأن يكون تعليلا لـ ) قل ) على سبيل التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتطييب نفسه . كأنه قيل : تسل عن إيمان الجهلة بإيمان العلماء . وعلى الأول : إن لم تؤمنوا به [ ص: 4010 ] لقد آمن به من هو خير منكم . فإن قلت : ما معنى الخرور للذقن ؟ قلت : السقوط على الوجه . وإنما ذكر الذقن ، وهو مجتمع اللحيين ; لأن الساجد أول ما يلقى به الأرض من وجهه الذقن . فإن قلت : حرف الاستعلاء ظاهر المعنى ، إذا قلت خر على وجهه وعلى ذقنه ، فما معنى اللام في ( خر لذقنه ولوجهه ) ؟ قال :

                                                                                                                                                                                                                                      فخر صريعا لليدين وللفم ؟ قلت : معناه جعل ذقنه ووجهه للخرور . واختصه به لأن اللام للاختصاص . فإن قلت : لم كرر يخرون للأذقان ؟ قلت : لاختلاف الحالين ، وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين ، وخرورهم في حال كونهم باكين. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه:

                                                                                                                                                                                                                                      دل نعت هؤلاء ومدحهم بخرورهم باكين، على استحباب البكاء والتخشع. فإن كل ما حمد فيه من النعوت والصفات التي وصف الله تعالى بها من أحبه من عباده ، يلزم الاتصاف بها . كما أن ما ذم منها من مقته منهم ، يجب اجتنابه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد عد الإمام الغزالي في " الإحياء " من آداب ظاهر التلاوة البكاء . قال : البكاء مستحب مع القراءة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا » . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا قرأتم سجدة سبحان ، فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا ، فإن لم تبك عين أحدكم ، فليبك قلبه . وإنما طريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن . فمن الحزن ينشأ البكاء ، ووجه إحضار الحزن ، أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود . ثم يتأمل تقصيره في أوامره وزواجره ، فيحزن لا محالة ويبكي. فإن لم يحضره حزن وبكاء، كما يحضر أرباب القلوب الصافية ، فليبك على فقد الحزن والبكاء . فإن ذلك أعظم المصائب. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر السيوطي في (" الإكليل ") أن الشافعي استدل بقوله تعالى : ويقولون سبحان ربنا الآية ، على استحباب هذا الذكر في سجود التلاوة . وقوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 4011 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية