الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب نكاح الزاني والزانية 2701 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله } رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            [ ص: 172 ] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص : { أن رجلا من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها : أم مهزول كانت تسافح ، وتشترط له أن تنفق عليه ، قال : فاستأذن نبي الله صلى الله عليه وسلم أو ذكر له أمرها ، فقرأ عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم : { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } } رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            2703 - ( وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : { أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة ، وكان بمكة بغي ، يقال لها : عناق ، وكانت صديقته ، قال : فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أنكح عناقا ؟ قال : فسكت عني فنزلت : { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } فدعاني فقرأها علي وقال : لا تنكحها } رواه أبو داود والنسائي والترمذي )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي هريرة قال الحافظ في بلوغ المرام : رجاله ثقات .

                                                                                                                                            وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أيضا الطبراني في الكبير والأوسط قال في مجمع الزوائد : ورجال أحمد ثقات

                                                                                                                                            وحديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي .

                                                                                                                                            وفي الباب عن عمرو بن الأحوص : { أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال : استوصوا في النساء خيرا ، فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه

                                                                                                                                            وعن ابن عباس عند أبي داود والنسائي قال : { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي لا تمنع يد لامس ، قال : غربها ، قال : أخاف أن تتبعها نفسي ، قال : فاستمتع بها } قال المنذري : ورجال إسناده يحتج بهم في الصحيحين وذكر الدارقطني أن الحسن بن واقد تفرد به عن عمارة بن أبي حفصة ، وأن الفضل بن موسى السيناني بكسر المهملة ثم تحتية ثم نونين بينهما ألف تفرد به عن الحسن بن واقد وأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس ، وبوب عليه في سننه : تزويج الزانية وقال : هذا الحديث ليس بثابت ، وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب

                                                                                                                                            وقال الإمام أحمد : لا تمنع يد لامس ، تعطي من ماله قلت : فإن أبا عبيدة يقول : من الفجور ، قال : ليس عندنا إلا أنها تعطي من ماله ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليأمره بإمساكها وهي تفجر وسئل عنه ابن الأعرابي فقال : من الفجور وقال الخطابي : معناه : الزانية ، وأنها مطاوعة لمن أرادها لا ترد يده [ ص: 173 ]

                                                                                                                                            وعن جابر عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس قوله : ( الزاني المجلود . . . إلخ ) هذا الوصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنى وفيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنى وكذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنى ، ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب لأن في آخرها : { وحرم ذلك على المؤمنين } فإنه صريح في التحريم

                                                                                                                                            قال في نهاية المجتهد : اختلفوا في قوله تعالى: { وحرم ذلك على المؤمنين } هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم ، وهل الإشارة في قوله ذلك إلى الزنى أو إلى النكاح ؟ قال : وإنما صار الجمهور إلى حمل الآية على الذم لا على التحريم لحديث ابن عباس الذي قدمناه وقد حكي في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر وجابر وسعيد بن المسيب وعروة والزهري والعترة ومالك والشافعي وربيعة وأبي ثور أنها لا تحرم المرأة على من زنى بها لقوله تعالى: { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وقوله صلى الله عليه وسلم : { لا يحرم الحلال الحرام } أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر ، وحكي عن الحسن البصري أنه يحرم على الرجل نكاح من زنى بها واستدل بالآية وحكاه أيضا عن قتادة وأحمد إلا إذا تابا لارتفاع سبب التحريم وأجاب عنه في البحر بأنه أراد بالآية الزاني المشرك ، واستدل على ذلك بقوله تعالى : أو مشركة قال : وهي تحرم على الفاسق المسلم بالإجماع وأراد أيضا الزانية المشركة بدليل قوله : أو مشرك وهو يحرم على الفاسقة المسلمة بالإجماع ولا يخفى ما في هذا الجواب ; لأن حاصله أن المراد : المشرك الزاني والمشركة الزانية ، وهذا تأويل يفضي إلى تعطيل فائدة الآية ، إذ منع النكاح مع الشرك والزنى حاصل بغير هذه الآية ويستلزم أيضا امتناع عطف المشرك والمشركة على الزاني والزانية ، إذ قد ألغى خصوصية الزنى ، وأيضا قد تقرر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب قال ابن القيم : وأما نكاح الزانية فقد صرح الله بتحريمه في سورة النور ، وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك ، فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أو لا ، فإن لم يعتقده فهو مشرك ، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ، ثم صرح بتحريمه فقال : { وحرم ذلك على المؤمنين } وأما جعل الإشارة في قوله : وحرم ذلك إلى الزنى فضعيف جدا ، إذ يصير معنى الآية : الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك

                                                                                                                                            وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القرآن ولا يعارض ذلك حديث عمرو بن الأحوص وحديث ابن عباس المذكوران فإنهما في الاستمرار على نكاح الزوجة الزانية ، والآية وحديث أبي هريرة في ابتداء النكاح ، فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته ، ويحرم عليه أن [ ص: 174 ] يتزوج بالزانية وأما ما ذكره المقبلي في المنار من أنه لا يصح أن يراد به لقوله : " لا ترد يد لامس " الزنى ، بل عدم نفورها عن الريبة ، فقصر للفظ المحتمل على أحد المحتملات بغير دليل فالأولى أن ينزل ترك استفصاله صلى الله عليه وسلم عن مراده بقوله { لا ترد يد لامس } منزلة العموم ، ولا ريب أن العرب تكني بمثل هذه العبارة عن عدم العفة والزنى وأيضا حديث عمرو بن الأحوص من أعظم الأدلة الدالة على جواز إمساك الزانية لقوله فيه : { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } فإن فعلن فاهجروهن . . . إلخ ، فتفسير حديث : " لا ترد يد لامس " بغير الزنى لا يأتي بفائدة باعتبار محل النزاع

                                                                                                                                            وقد حكى صاحب البحر عن الأكثر أن من زنت لم ينفسخ نكاحها وحكي أيضا عن المؤيد بالله أنه يجب تطليقها ما لم تتب قوله : ( أن مرثد ) بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة بعدها دال مهملة والغنوي بفتح الغين المعجمة وبعدها نون مفتوحة نسبة إلى غني بفتح الغين وكسر النون ، وهو غني بن يعصر ، ويقال : أعصر بن سعد بن قيس عيلان وعناق بفتح العين المهملة وبعدها نون وبعد الألف قاف قال المنذري : وللعلماء في الآية خمسة أقوال : أحدها : أنها منسوخة ، قاله سعيد بن المسيب

                                                                                                                                            وقال الشافعي في الآية : القول فيها كما قال سعيد إنها منسوخة وقال غيره : الناسخ : { وأنكحوا الأيامى منكم } فدخلت الزانية في أيامى المسلمين ، وعلى هذا أكثر العلماء يقولون : من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها والثاني : أن النكاح ههنا الوطء ، والمراد أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية مثله أو مشركة لا تحرم الزنى ، وتمام الفائدة في قوله سبحانه : { وحرم ذلك على المؤمنين } يعني الذين امتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي الثالث : أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو مشركة ، وكذلك الزانية

                                                                                                                                            الرابع : أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنى ، واحتج بأن الآية نزلت في ذلك الخامس : أنه عام في تحريم نكاح الزانية على العفيف والعفيف على الزانية انتهى




                                                                                                                                            الخدمات العلمية