الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ( 46 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وعلى الأعراف رجال يعرفون أهل الجنة بسيماهم ، وذلك بياض وجوههم ، ونضرة النعيم عليها ويعرفون أهل النار كذلك بسيماهم ، وذلك سواد وجوههم ، وزرقة أعينهم ، فإذا رأوا أهل الجنة نادوهم : " سلام عليكم " .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 462 ]

ذكر من قال ذلك :

14716 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ) ، قال : يعرفون أهل النار بسواد الوجوه ، وأهل الجنة ببياض الوجوه .

14717 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ) ، قال : أنزلهم الله بتلك المنزلة ، ليعرفوا من في الجنة والنار ، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه ، ويتعوذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين ، وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام ، لم يدخلوها ، وهم يطمعون أن يدخلوها ، وهم داخلوها إن شاء الله .

14718 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( بسيماهم ) ، قال : بسواد الوجوه ، وزرقة العيون .

14719 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ) ، الكفار بسواد الوجوه وزرقة العيون ، وسيما أهل الجنة مبيضة وجوههم .

14720 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : أصحاب الأعراف إذا رأوا أصحاب الجنة عرفوهم ببياض الوجوه ، وإذا رأوا أصحاب النار عرفوهم بسواد الوجوه .

14721 - حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : إن أصحاب الأعراف رجال كانت لهم ذنوب عظام ، وكان حسم أمرهم لله ، فأقيموا ذلك المقام ، إذا [ ص: 463 ] نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه ، فقالوا : ( ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ) ، وإذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض الوجوه ، فذلك قوله : ( ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ) .

14722 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك في قوله : ( وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ) ، زعموا أن أصحاب الأعراف رجال من أهل الذنوب ، أصابوا ذنوبا ، وكان حسم أمرهم لله ، فجعلهم الله على الأعراف . فإذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه ، فتعوذوا بالله من النار . وإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوهم : " أن سلام عليكم " ، قال الله : ( لم يدخلوها وهم يطمعون ) . قال : وهذا قول ابن عباس .

14723 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( يعرفون كلا بسيماهم ) ، يعرفون الناس بسيماهم ، يعرفون أهل النار بسواد وجوههم ، وأهل الجنة ببياض وجوههم .

14724 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( يعرفون كلا بسيماهم ) ، يعرفون أهل النار بسواد وجوههم ، وأهل الجنة ببياض وجوههم .

14725 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ) ، قال : أهل الجنة بسيماهم بيض الوجوه ، وأهل النار بسيماهم سود الوجوه . قال : وقوله ( يعرفون كلا بسيماهم ) ، قال : أصحاب الجنة وأصحاب النار " ونادوا أصحاب الجنة " ، قال : حين رأوا وجوههم قد ابيضت .

14726 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( يعرفون كلا بسيماهم ) ، قال : بسواد الوجوه .

14727 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن مبارك ، عن [ ص: 464 ] الحسن : ( بسيماهم ) ، قال : بسواد الوجوه وزرقة العيون .

و " السيماء " ، العلامة الدالة على الشيء ، في كلام العرب . وأصله من " السمة " ، نقلت واوها التي هي فاء الفعل ، إلى موضع العين ، كما يقال : " اضمحل " و " امضحل " . وذكر سماعا عن بعض بني عقيل : " هي أرض خامة " ، يعني " وخمة " . ومنه قولهم : " له جاه عند الناس " ، بمعنى " وجه " ، نقلت واوه إلى موضع عين الفعل . وفيها لغات ثلاث : " سيما " مقصورة ، و " سيماء " ، ممدودة ، و " سيمياء " ، بزيادة ياء أخرى بعد الميم فيها ، ومدها ، على مثال " الكبرياء " ، كما قال الشاعر :


غلام رماه الله بالحسن إذ رمى له سيمياء لا تشق على البصر



وأما قوله : ( ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ) ، أي : حلت عليكم أمنة الله من عقابه وأليم عذابه .

واختلف أهل التأويل في المعني بقوله : ( لم يدخلوها وهم يطمعون ) .

فقال بعضهم : هذا خبر من الله عن أهل الأعراف : أنهم قالوا لأهل الجنة ما قالوا قبل دخول أصحاب الأعراف ، غير أنهم قالوه وهم يطمعون في دخولها .

ذكر من قال ذلك :

14728 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أهل الأعراف يعرفون الناس ، فإذا مروا عليهم [ ص: 465 ] بزمرة يذهب بها إلى الجنة قالوا : " سلام عليكم " . يقول الله لأهل الأعراف : لم يدخلوها ، وهم يطمعون أن يدخلوها .

14729 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال ، تلا الحسن : ( لم يدخلوها وهم يطمعون ) ، قال : والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم ، إلا لكرامة يريدها بهم .

14730 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( لم يدخلوها وهم يطمعون ) ، قال : أنبأكم الله بمكانهم من الطمع .

14731 - حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي قال : قال سعيد بن جبير ، وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود قال : أما أصحاب الأعراف ، فإن النور كان في أيديهم ، فانتزع من أيديهم ، يقول الله : ( لم يدخلوها وهم يطمعون ) ، قال : في دخولها . قال ابن عباس : فأدخل الله أصحاب الأعراف الجنة .

14732 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة وعطاء : ( لم يدخلوها وهم يطمعون ) ، قالا في دخولها .

وقال آخرون : إنما عنى بذلك أهل الجنة ، وأن أصحاب الأعراف يقولون لهم قبل أن يدخلوا الجنة : " سلام عليكم " ، وأهل الجنة يطمعون أن يدخلوها ، ولم يدخلوها بعد .

ذكر من قال ذلك :

14733 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز : ( ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون ) ، قال : الملائكة يعرفون الفريقين جميعا بسيماهم . وهذا قبل أن [ ص: 466 ] يدخل أهل الجنة الجنة ، أصحاب الأعراف ينادون أصحاب الجنة : أن سلام عليكم ، لم يدخلوها وهم يطمعون في دخولها .

التالي السابق


الخدمات العلمية