الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 157 ] ( فصل )

ولا يجب عليه المسير حتى يقدر على المسير بأن يكون يتسع الوقت للسير والأداء . فلو وجد ذلك قبل النحر بأيام ، وبينه وبين مكة شهر ونحو ذلك : لم يجب عليه المسير للحج في تلك السنة ، وليس عليه أن يسير إلا السير المعتاد وما يقاربه ، وليس عليه أن يحمل على نفسه ، ويسير سيرا يجاوز العادة ، أو يعجز معه عن تحصيل آلة السفر ؛ لما في ذلك من المشقة التي لا يجب معها مثل هذه العبادات من الجمعة والجماعة ونحو ذلك .

وأن يكون الطريق خاليا من العوائق المانعة ، فإن كان فيه من يصده عن الحج من قطاع الطريق كالأعراب والأكراد الذين يقطعون الطريق على القوافل ، أو كفار ، أو بغاة : لم يجب عليه السعي إلى الحج . فإن أمكن قتالهم ... .

وإن أمكن بذل خفارة لهم ، فقال القاضي وأصحابه : لا يجب بذلها ، وإن [ ص: 158 ] كانت يسيرة لوجهين :

أحدهما : أنها رشوة فلا يلزم بذلها في العبادة كالكثيرة .

الثاني : أنهم لا يؤمنون مع أخذها ، فإن من استحل أكل المال بالباطل من وفد الله : لم يؤمن على استحلال قتلهم ، أو نهبهم ، أو سرقتهم .

والثاني : يجب بذل الخفارة اليسيرة ، قاله ابن حامد ؛ لأنها نفقة يقف إمكان الحج على بذلها ، فلم يمتنع الوجوب مع إمكان بذلها كالأثمان والأكرية ، وقد بذل صهيب للكفار جميع ماله الذي بمكة حتى خلوه [ ص: 159 ] يهاجر ، فأنزل الله تعالى فيه : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) .

وفي معنى ذلك لو احتاج أن يرشو الولاة لتخليته ، أو لحراسة طريقه .

ولو احتاج أن يبذل مالا لمن يخرج معه ليحرسه فهذا ليس برشوة ، وإنما هو جعالة أو إجارة ؛ لأنه لا يجب عليهم الخروج معه وحفظه . وقياس المذهب : أن هذا واجب كما يجب على المرأة نفقة محرمها ؛ لأنه الحافظ لها ، وكما يجب عليه أجرة من يحفظ رحله من السراق .

وسواء كانت الطريق قريبة أو بعيدة يبقى فيها سنين ... .

وسواء كانت الطريق برا أو بحرا إذا كان الغالب عليه السلامة ، وإن كان الغالب على البحر الهلاك : لم يجب السعي إلى الحج ، وإن كان يسلم قوم [ ص: 160 ] ويتلف قوم ، فقال القاضي : يلزمه ، وقال أبو محمد : إن لم يكن الغالب السلامة لم يلزمه سلوكه .

التالي السابق


الخدمات العلمية