الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ويستعجلونك بالعذاب [47] وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته [52]

                                                                                                                                                                                                                                        هذه آية مشكلة من جهتين: إحداهما أن قوما يرون أن الأنبياء فيهم [ ص: 103 ] مرسلون وغير مرسلين صلوات الله عليهم أجمعين. وغيرهم يذهب إلى أنه لا يجوز أن يقال: نبي حتى يكون مرسلا. والدليل على صحة هذا قوله جل وعز: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي فأوجب للنبي الرسالة. وإن معنى نبي أنبأ عن الله جل وعز، ومعنى أنبأ عن الله جل وعز هو الإرسال بعينه والجهة الأخرى التي فيها الإشكال الحديث المروي. قال أبو جعفر: وقد ذكرناه بإسناده وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ أفرأيتم اللات والعزى فإن شفاعتهم ترتجى" وسها كذا في رواية الزهري، وفي رواية غيره "فإنهن الغرانيق العلى". قال أبو جعفر: وهذا يجب أن يوقف على معناه من جهة الدين لطعن من طعن فيه من الملحدين. فأول ذلك أن الحديث ليس بمتصل الإسناد، ولو اتصل إسناده وصح لكان المعنى فيه صحيحا. فأما معنى "وسها" فإن معناه وأسقط. ويكون تقديره أفرأيتم اللات والعزى وتم الكلام، ثم أسقط والغرانيق العلى يعني الملائكة فإن شفاعتهم يعود الضمير على الملائكة. فأما الإمام روى "فإنهن الغرانيق العلى" ففي روايته أجوبة عنها أن يكون القول محذوفا كما تستعمل العرب في أشياء كثيرة، ويجوز أن يكون بغير حذف ويكون توبيخا لأن قبله أفرأيتم فيكون هذا احتجاجا عليهم، فإن كان في الصلاة فقد كان الكلام مباحا في الصلاة، ويجوز أن يكون الضمير للملائكة كما يضمر ما يعرف معناه فينسخ الله جل وعز ذلك لما فيه من الصلاح والذي فيه من الصلاح إزالة التمويه أن يموه على قوم فيقال لهم: هذا الضمير للات والعزى فأنزل الله جل وعز: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 104 ] وفي الآية قولان آخران: أحدهما أن يكون المعنى لما تلا "أفرأيتم اللات والعزى" قال رجل ألقى الشيطان على لسانه: فإنهن الغرانيق العلى، والقول الآخر أن علي بن أبي طلحة روى عن ابن عباس في قول الله جل وعز إلا إذا تمنى قال: إذا تحدث ألقى الرداءة الشيطان في أمنيته، قال: في حديثه فينسخ الله ما يلقي الشيطان قال: فيبطل الله ما يلقي الشيطان. وهذا من أحسن ما قيل في الآية وأعلاه وأجله. وقد قال أحمد بن محمد بن حنبل: بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة لو رحل فيها رجل إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا. والمعنى عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدث نفسه ألقى الشيطان في حديثه على جهة الحيلة، فيقول له: لو سألت الله جل وعز أن يغنمك كذا ليتسع المسلمون. ويعلم الله جل وعز أن الصلاح في غير ذلك فيبطل ما يلقي الشيطان كما قال ابن عباس: وحكى الكسائي والفراء جميعا تمنى إذا حدث نفسه. وهذا هو المعروف في اللغة. وقد حكيا أيضا تمنى إذا تلا ، وروي ذلك عن الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية