الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1016 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر خمسا ، فقيل له : أزيد في الصلاة ؟ فقال : " وما ذاك ؟ " قالوا : صليت خمسا ، فسجد سجدتين بعدما سلم ، وفي رواية ، قال : " إنما أنا بشر مثلكم ، أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ، فليتم عليه ، ثم ليسلم ، ثم يسجد سجدتين " ، متفق عليه .

التالي السابق


1016 - ( وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر خمسا ) : قال ابن حجر : هذه الرواية أصح من رواية : " زاد أو نقص " على الشك ( فقيل له ) ، أي : بعد أن سلم ( أزيد ) : بصيغة الاستفهام ( في الصلاة ؟ قال : " وما ذاك ؟ " ) : أو ما ذاك القول أو ما سبب قولك هذا ؟ يعني لم تقولون أزيد في الصلاة ؟ وقيل : " ما " نافية ، وذاك إشارة إلى الزيادة والتذكير باعتبار المصدر ، أو بتأويل المذكور ، ( قالوا : صليت خمسا ) : وهو محمود عندنا على أنه قعد في الرابعة وإلا يتحول الفرض نفلا ، ( فسجد سجدتين بعدما سلم ) : قال ابن حجر : وفي رواية : فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم ، ولا ينافي هذا مذهبنا أن السجود قبل السلام مطلقا ، لأنه لم يعلم بزيادة الركعة إلا بعد السلام حين سألوه : أزيد في الصلاة ؟ وقد اتفق العلماء في هذه الصورة على أن سجود السهو بعد السلام لتعذره قبله .

قلت : ما كان السلام متعذرا بعد السجود ليقع السلام آخرا قصدا لكونه ركنا عندكم ، فإن السلام الأول لا يعبأ به لعدم وقوعه في محله ، مع أن الرواية الثانية صريحة في أنه أعاد السلام ولم يكتف بالسلام الأول ، وهذا ظاهر وإن لم أر من ذكره ، ومن الغريب قول ابن الملك لأنه عليه السلام علم السهو بعده ، وهو مع كونه مخالفا لمذهبه يرده فقوله - عليه السلام - في آخر الحديث : " ثم ليسلم ثم يسجد " ، والكلام في أثناء الصلاة كان جائزا في صدر الإسلام ، ثم نسخ ، قال ابن حجر : وتابعوه لتجويزهم الزيادة ; لأن الزمان كان قابلا لذلك كذا قيل ، والأولى أن يجاب بأنهم سلموا جاهلين بأن عليهم سهوا وتكلموا معتقدين فراغ الصلاة ، فلما عاد - عليه السلام - عادوا معه ، واغتفر لهم ما وقع منهم لعذرهم ؛ انتهى ، وعلى مقتضى مذهبنا أن المتابعة واجبة في الزيادة والنقصان ، فلا إشكال .

( وفي رواية ، قال ) ، أي : بعد الصلاة ( " إنما أنا بشر مثلكم " ) ، أي : في جميع الأمور البشرية إلا أنه يوحى إلي ( " أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني " ) : فكان حقهم أن يذكروه بالإشارة عند إرادة قيامه إلى الخامسة ، ( " وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر " ) : التحري : طلب الحري : وهو اللائق والحقيق والجدير ، أي : فليطلب بغلبة ظنه واجتهاده ، أي : ( " الصواب " ) : قال الطيبي : التحري : القصد ، والاجتهاد في الطلب ، والعزم على تحصيل الشيء بالفعل ، والضمير البارز في ( " فليتم صلاته " ) : راجع إلى ما دل عليه فليتحر ، والمعنى فليتم على ذلك ما بقي من صلاته بأن يضم إليه ركعة أو ركعتين أو ثلاثا ، وليقعد في موضع يحتمل القعدة الأولى وجوبا ، وفي مكان يحتمل القعدة الأخرى فرضا ، وبقي حكم آخر ، وهو أنه إذا لم يحصل له اجتهاد وغلبة ظن فليبن على الأقل المستيقن ، كما سبق في الحديث المتقدم ، ( " ثم ليسلم ، ثم يسجد " ) : بالجزم ، وقيل بالرفع ( " سجدتين " ) : و " ثم " لمجرد التعقيب ، وفيه إشارة إلى أنه ولو وقع تراخ يجوز ما لم يقع منه مناف ، وما أبعد قول ابن حجر : إن " ثم " بمعنى الواو هنا ، ( متفق عليه ) : قال ميرك : وروى الترمذي الرواية الأولى .

قال ابن حجر : وصريح كلام المصنف أن قوله : " بعدما سلم " رواه الشيخان ، وليس كذلك إذ لم يروه مسلم ، وإنما رواه البخاري ، والمصنف كأصله يقع له ذلك كثيرا لكن عذره أنه يريد اتفاق الشيخين على أصل إخراجه ، وإن لم يتساويا في كل ألفاظه ، فاستحضر ذلك فإنه ينفعك في مواضع كثيرة من هذا الكتاب .

[ ص: 801 ] قلت : هذا التقدير وقع من غير تحرير ، إذ الاعتراض أن قوله : بعد ما سلم ، ليس إلا من أفراد البخاري ، ظاهره أنه لا لفظا ولا معنى ، وإلا فأي لفظ يكون لمسلم يؤدي هذا المعنى ، ويبعد غاية البعد أن يكون لفظ مسلم بعد السلام مثلا ، ويتوجه الاعتراض بجعله متفقا عليه ، ولذا قال بعض المحققين : إن الاتحاد في اللفظ ليس عبارة عن أن لا تختلف العبارة ، بل أن لا يختلف اللفظان في الصوغ لحكم واحد ، والاتحاد في المعنى أن يكون كل منهما مسوقا بمعنى ، ويلزم ما سبق له أحدهما من الآخرة ، فإن المحدثين فرقوا بين الشاهد والتابع ، وذكروا أن الشاهد : حديث بمعنى حديث ، والتابع : ما يكون بلفظه ، وذكروا في مثال المتابعة قوله - عليه السلام - : " ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فاستمتعتم به " وجعلوه متابعا لقوله : " لو أخذوا إهابها فدبغوه فاستمتعوا به " وذكروا شاهدا له قوله : " أيما إهاب دبغ فقد طهر " فأحسن التأمل ؛ لو بلغت حقيقة التحقيق بمعونة التوفيق .




الخدمات العلمية