الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
99 - " اتخذوا السراويلات؛ فإنها من أستر ثيابكم؛ وحصنوا بها نساءكم إذا خرجن " ؛ (عق عد) ؛ والبيهقي ؛ في الأدب؛ عن علي؛ (ض).

التالي السابق


(اتخذوا) ؛ خذوا أخذ معتن بالشيء؛ مجتهد فيه؛ والأمر للندب المؤكد؛ (السراويلات) ؛ التي ليست بواسعة؛ ولا طويلة؛ جمع [ ص: 110 ] " سراويل" ؛ أعجمي عرب؛ جاء بلفظ الجمع؛ وهو مفرد؛ يذكر؛ ويؤنث؛ و" السراوين" ؛ بنون؛ و" الشراويل" ؛ بشين معجمة؛ لغة؛ (فإنها من أستر ثيابكم) ؛ أي: أكثرها سترا؛ و" من" ؛ مزيدة؛ لسترها للعورة؛ التي يسيء صاحبها كشفها؛ وفيه ندب لبس السراويل؛ لكن إذا لم تكن واسعة؛ ولا طويلة؛ فإنها مكروهة؛ كما جاء في خبر آخر؛ وفي تفسير ابن وكيع أن إبراهيم أول من تسرول؛ قال الداراني: لما اتخذ الله إبراهيم خليلا؛ أوحى إليه أن " وار عورتك من الأرض" ؛ فكان لا يتخذ من كل شيء إلا واحدا؛ سوى السراويل؛ فيتخذ اثنين؛ فإذا غسل أحدهما لبس الآخر؛ حتى لا يأتي عليه حال إلا وعورته مستورة به؛ وروى أبو يعلى أن عثمان لما حوصر؛ أعتق عشرين رقبة؛ ثم دعا بسراويل؛ فشدها عليه؛ ولم يلبسها في الجاهلية؛ ولا في الإسلام؛ ثم قال: " إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البارحة في المنام؛ وأبا بكر ؛ وعمر ؛ وقالوا: اصبر؛ فإنك تفطر عندنا الليلة القابلة" ؛ ثم دعا بالمصحف؛ فنشره بين يديه؛ فقتل وهو بين يديه؛ فدل هذا على أنه أبلغ ما تستر به العورة؛ لأنه لم يلبسه إلا عند تحققه أنه مقتول؛ فآثره؛ لأنه أبلغ في صون عورته عن أن يطلع عليها أحد عند قتله؛ (وحصنوا) ؛ استروا؛ (بها نساءكم) ؛ أي: صونوا بها عورات نسائكم؛ يقال: " حصن نفسه وماله" ؛ و" مدينة حصينة" ؛ و" تحصن" ؛ اتخذ الحصن مسكنا؛ ثم يتجوز به في كل تحرز؛ ومنه: " درع حصين" ؛ لكونه حصنا للبدن؛ (إذا خرجن) ؛ من بيوتهن؛ لما فيها من الأمن من انكشاف العورة بنحو سقوط؛ أو ريح؛ فهو كحصن مانع؛ وكالخروج وجود أجنبي مع المرأة بالبيت؛ ذكره جمع؛ قالوا: ولم يثبت أن نبيا لبسها؛ لكن روى أحمد والأربعة أنه اشتراها؛ وقول ابن القيم: الظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها؛ وهم؛ فقد يكون اشتراها لبعض نسائه؛ وقول ابن حجر: في شرائه لغيره بعد؛ غير مرضي؛ إذ لا استبعاد في شرائه لعياله؛ وما رواه أبو يعلى وغيره أنه أخبر عن نفسه بأنه لبسه؛ فسيجيء أنه موضوع؛ فلا يتجه القول بندب لبس السراويل حينئذ؛ لأنه حكم شرعي؛ لا يثبت إلا بحديث صحيح؛ أو حسن؛ ومن وهم أن في خبر: " لا يلبس المحرم السراويل" ؛ دليلا لسن لبسه للرجل؛ فقد وهم؛ إذ لا يلزم من نهي المحرم عن لبسه لكونه مخيطا؛ ندب لبسه لغيره.

(عق عد والبيهقي ؛ في) ؛ كتاب (الأدب) ؛ كلهم (عن علي) ؛ أمير المؤمنين ؛ قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبقيع؛ في يوم دجن؛ أي: غيم ومطر ؛ فمرت امرأة على حمار؛ فسقطت؛ فأعرض عنها؛ فقالوا: إنها متسرولة؛ فذكره في حديث طويل؛ ثم أعله مخرجاه؛ العقيلي وابن عدي ؛ بمحمد بن زكريا العجلي؛ فقال العقيلي : لا يعرف إلا به؛ ولا يتابع إلا عليه؛ وقال أبو حاتم : حديثه منكر؛ وقال ابن عدي : حدث بالبواطيل؛ ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه؛ لكن تعقبه ابن حجر بأن البزار والمحاملي والدارقطني رووه من طريق آخر؛ قال: فهو ضعيف؛ لا موضوع؛ وذكر نحوه المؤلف في مختصر الموضوعات.



الخدمات العلمية