الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                قال ابن يونس : من أحفى شاربه يوجع ضربا ; لأنها بدعة ، وإنما المراد بالإحفاء في الحديث إحفاء الإطار ، وهي أطراف الشعر ، وكان عمر رضي الله عنه يفتل شاربه إذا أكربه أمر ، ولو كان محلوقا ما وجد ما يفتله ، وكره حلق مواضع المحاجم في القفا والرأس من غير تحريم ، قال صاحب " البيان " : اتفقوا على جواز تغيير الشيب بالصفرة ، والحناء ، والكتم ، وإنما اختلفوا : هل تركه أفضل ، وهو ظاهر قول مالك في " العتبية " ، وظاهر " الموطأ " عنه الصبغ أحسن لقوله عليه السلام : " إن [ ص: 282 ] اليهود ، والنصارى لا يصبغون ، فخالفوهم " ، وكان مالك لا يخضب ، وقال له بعض ولاة المدينة : ألا تخضب ؟ فقال له : ما بقي عليك من العدل إلا أن أخضب ، وكان الشافعي أعجله الشيب فكان يخضبه ، وكره السواد جماعة من العلماء ; لأن أبا قحافة جيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وكأن رأسه ثغامة ، فقال عليه السلام : " اذهبوا به إلى بعض نسائه ، فغيروه وجنبوه السواد " ، وقال سعيد بن جبير : يكسو الله العبد في وجهه النور ، فيطفئه بالسواد ، وخضب به الحسن ، والحسين ، ومحمد بنو علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ، وكان عقبة بن عامر منهم ينشد :


                                                                                                                نسود أعلاها وتأبى أصولها ولا خير في فرع إذا فسد الأصل

                                                                                                                وكان هشيم يخضب بالسواد فسئل عن قوله تعالى : ( وجاءكم النذير ) ، فقال : الشيب ، فقال السائل : فما تقول فيمن جاءه النذير من ربه فسود وجهه ؟ فترك الخضاب ، وكره مالك حلق وسط الرأس وحده ; لأن أساقفة النصارى يفعلون كذلك ، وكذلك حلق القفا لفعل النصارى .

                                                                                                                وقال ( ش ) و ( ح ) ، وأحمد : إحفاء الشوارب أفضل ، وحملوا الحديث على ظاهره ، ويرد عليهم قوله عليه السلام : " من لم يأخذ من شاربه فليس منا " ، والجمع بين الأحاديث أولى ، ولأنه العمل المتصل بالمدينة ، وحلاق الصبي قصا وقفا أن يحلق رأسه ، ويبقي مقدمه مفتوحا على وجهه ، ومؤخره مسدولا على قفاه ، وحلاقه قصه بلا قفا أن يحلق وسط رأسه إلى قفاه ، ويبقي مقدمه معقوصا ، وكله يكره ; لأنه من القزع .

                                                                                                                وكان أهل الكتاب يسدلون ، والمشركون يفرقون شعرهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه شيء ، فسدل ناصيته ، ثم [ ص: 283 ] فرق بعد ، وقال الطحاوي : حلق الرأس أفضل ; لأن أبا وائل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد جز شعره ، فقال له : هذا أحسن ، وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما صار إليه أولى ، واتفقوا أن جز المرأة شعر رأسها مثلة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية