الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن جرح ظبيا فنقص من قيمته العشر فعليه من ثمن شاة ، وكذلك إن كان النقص أقل أو أكثر ( قال المزني ) عليه عشر الشاة أولى بأصله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد مضى الكلام في قتل الصيد ، فأما إذا جرح المحرم صيدا ، أو قطع منه عضوا ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تسري الجراحة إلى نفسه فيموت ، فيلزمه أن يفديه بمثله من النعم : لأن السراية تضمن بالتوجيه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن لا تسري إلى نفسه ، بل تندمل والصيد حي ، فهذا على ضربين : أحدهما : أن يكون الصيد غير ممتنع ، فعليه أن يفديه بجزاء كامل : لأنه لما حبسه عن الامتناع بجراحته فقد جعله في حكم الهالك .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون الصيد بعد اندمال جراحته ممتنعا ، فعليه ضمان ما نقص بجراحته ، وبه قال عامة الفقهاء ، وقال داود بن علي الظاهري : جرح الصيد غير مضمون ، [ ص: 298 ] فإذا جرح صيدا ، أو قطع منه عضوا فلا ضمان عليه إلا أن يقتله استدلالا بقوله : ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم [ المائدة : 95 ] ، فلما أوجب الجزاء في قتله انتفى وجوب الجزاء في غير قتله ، قال : ولأن الجزاء كفارة ؛ لقوله تعالى : أو كفارة طعام مساكين [ المائدة : 95 ] ، والكفارة إنما تجب في النفوس ، ولا تجب في الأطراف والأبعاض ، والدلالة عليه هو قوله تعالى : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما [ المائدة : 96 ] ، والصيد هو المصيد ، فحرم الله تعالى أفعالنا فيه ، وإذا كان الجرح محرما كالقتل وجب أن يكون مضمونا كالقتل : ولأن كل حيوان كانت نفسه مضمونة كانت أطرافه مضمونة كالبهائم ، فأما الآية فإنها تقتضي إيجاب الجزاء الكامل في القتل ، ولا يبقى وجوب الضمان بنقص الجزاء فيما سوى القتل ، لا من طريق النطق ولا من طريق الاستدلال ، وأما قوله : إن الجزاء كفارة لأن الله تعالى سماها باسم الكفارة ، فهي إن كانت مسماة بالكفارة فذاك في الإطعام دون الجزاء ، وهي في معنى حقوق الأموال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية