الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1132 ص: فإن قال قائل: إن حكم الظهر أن يعجل في سائر الزمان، ولا يؤخر ، كما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث خباب وعائشة وجابر وأبي برزة -رضي الله عنهم- وإنما كان من النبي -عليه السلام- من أمره إياهم بالإبراد رخصة منه لهم لشدة الحر؛ لأن مسجدهم لم يكن له ظلال، وذكر في ذلك ما قد روي عن ميمون بن مهران ، فيه كما قد حدثنا فهد ، قال: ثنا علي [بن] معبد ، قال: ثنا أبو المليح الرقي ، عن ميمون بن مهران ، قال:؛ لا بأس بالصلاة نصف النهار وإنما كانوا يكرهون الصلاة نصف النهار؛ لأنهم كانوا يصلون بمكة وكانت شديدة الحر ولم يكن لهم ظلال، فقال: [ ص: 465 ] أبردوا بها. قيل له: هذا الكلام يستحيل؛ لأن هذا لو كان كما ذكرت لما أخرها رسول الله -عليه السلام- وهو في السفر، حيث لا كن ولا ظل على ما في حديث أبي ذر -رضي الله عنه- ولصلاها حينئذ في أول وقتها في غير كن ولا ظل، فتركه الصلاة حينئذ دليل على أن ما كان منه من الأمر بالإبراد ليس لأن يكونوا في شدة الحر في الكن، ثم يخرجون فيصلون الظهر في حال ذهاب الحر؛ لأنه لو كان ذلك كذلك لصلاها حيث لا كن في أول وقتها ولكن ما كان منه -عليه السلام- من هذا القول عندنا -والله أعلم- إيجاب منه أن ذلك هو سنتها، كان الكن موجودا أو معدوما.

                                                وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا السؤال يرد على ما ذكر من ثبوت النسخ في حديث خباب ونحوه، على ما مر ذكره، تقديره أن يقال: لا نسلم أن حديث الإبراد ناسخ لحديث التعجيل بل حكم التعجيل باق كما في حديث خباب ومن ذكر معه، وإنما كان أمره -عليه السلام- بالإبراد لأجل الرخصة لهم؛ لأجل شدة الحر؛ لأن مسجدهم لم يكن له ظلال وكانوا يتضررون وقت الهاجرة، فرخص لهم بالإبراد لذلك؛ والدليل عليه ما قاله ميمون بن مهران - أبو أيوب الجزري ، وثقه أحمد والنسائي وغيرهما - "لا بأس بالصلاة نصف النهار..." إلى آخره.

                                                أخرجه الطحاوي : عن فهد بن سليمان ، عن علي بن معبد بن شداد العبدي أحد أصحاب محمد بن الحسن الشيباني ، عن أبي المليح الرقي واسمه الحسن بن عمرو الفزاري وثقه أحمد وأبو زرعة ، ونسبته إلى رقة - بفتح الراء والقاف المشددة - بلدة بالفراتية وهذا أخذه ميمون من سويد بن غفلة ، فكل ما أجيب عن قول سويد فهو جواب عن قول ميمون .

                                                وتقدير الجواب: أن ما ذكرتم هذا بعيد ومستحيل؛ لأن الأمر لو كان كما ذكرتم لما أخر رسول الله -عليه السلام- الظهر والحال أنه كان في السفر كما مر في حديث أبي ذر "كنا مع رسول الله -عليه السلام- منزل فأذن بلال ، فقال رسول الله -عليه السلام-: مه يا بلال ..." الحديث.

                                                [ ص: 466 ] وفي رواية الترمذي : "أن رسول الله -عليه السلام- كان في سفر ومعه بلال ، فأراد أن يقيم، فقال: أبرد..." الحديث. والسفر لا كن فيه ولا ظلال، ولم يصل رسول الله -عليه السلام- في أول وقتها، بل أخرها ، ولو كان الأمر كما ذكرتم لصلاها حينئذ في أول الوقت، فظهر من ذلك أن تأخيره -عليه السلام- الظهر حينئذ إلى وقت الإبراد لم يكن لأجل أن يكونوا في الكن في شدة الحر ليخرجوا منها ثم يصلوا بعد ذهابها، بل إنما كان ذلك منه -عليه السلام- عزما على أنه سنة سواء كان الكن موجودا أو معدوما، فيستوي فيه السفر والحضر، وثبت النسخ الذي ادعينا واستمر الحكم على تأخير الظهر في الصيف حتى يبرد بها، والله أعلم.

                                                "والكن" بكسر الكاف وتشديد النون: السترة والجمع أكنان قال الله تعالى: وجعل لكم من الجبال أكنانا والأكنة: الأغطية، قال تعالى: وجعلنا على قلوبهم أكنة والواحدة كنان، وأكننته في نفسي: أسررته، فافهم.




                                                الخدمات العلمية