الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشهداء أحد هؤلاء أشهد عليهم فقال أبو بكر الصديق ألسنا يا رسول الله بإخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال أئنا لكائنون بعدك

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1004 988 - ( مالك عن أبي النضر ) سالم بن أبي أمية ( مولى عمر بن عبيد الله ) بضم العينين القرشي التيمي ( أنه بلغه ) قال ابن عبد البر : مرسل عند جميع الرواة لكن معناه يستند من وجوه صحاح كثيرة ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لشهداء أحد ) أي لأجلهم وفي شأنهم لما أشرف عليهم مقتولين كما رواه ابن إسحاق عن عبد الله بن ثعلبة وهم سبعون كما صرح به البراء بن عازب وأنس في الصحيح وأبي بن كعب وقال في حديثه أربعة وستون من الأنصار وستة من المهاجرين ، رواه الحاكم وابن حبان وصححاه وهو المؤيد بقوله تعالى : ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها ) ( سورة آل عمران : الآية 165 ) اتفق علماء التفسير على أن المخاطب بذلك أهل أحد ، وأن إصابتهم مثليها يوم بدر بقتل سبعين وأسر سبعين ، وبهذا جزم ابن إسحاق وغيره والزيادة عليهم إن ثبتت فإنما نشأت من الخلاف في تفصيلهم وليست زيادة حقيقة .

                                                                                                          ( هؤلاء أشهد عليهم ) بما فعلوه من بذل أجسامهم وأرواحهم وترك من له الأولاد أولاده كأبي جابر ترك تسع بنات طيبة بذلك قلوبهم فرحين مستبشرين بوعد خالقهم حتى أن منهم من قال : إني لأجد ريح الجنة دون أحد كأنس بن النضر وسعد بن الربيع ، ومنهم من ألقى تمرات كن في يده وقاتل حتى قتل ، ومنهم من قال حين خرج : [ ص: 57 ] اللهم لا تردني إلى أهلي كعمرو بن الجموح ، ومنهم من خلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - لكبر سنه فخرج رجاء الشهادة وهو اليمان وثابت بن وقش فحذف المشهود به للعلم به .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : أي أشهد لهم بالإيمان الصحيح والسلامة من الذنوب الموبقات ومن التبديل والتغيير والمنافسة في الدنيا ونحو ذلك انتهى .

                                                                                                          فجعل على بمعنى اللام .

                                                                                                          وقال السهيلي : أشهد من الشهادة وهي ولاية وقيادة فوصلت بحرف على لأنه مشهود له وعليه .

                                                                                                          وقال البيضاوي : هذه الشهادة وإن كانت لهم لكن لما كان - صلى الله عليه وسلم - كالرقيب المؤتمن على أمته عدي بعلى ( فقال أبو بكر الصديق : ألسنا يا رسول الله بإخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا ؟ ) فلم خص هؤلاء بشهادتك عليهم ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بلى ) أنتم إخوانهم . . . إلخ ، ( ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي ) فلذا خصصتهم بالشهادة المستفادة من حصر المبتدأ في الخبر بقوله هو لا " أشهد عليهم " ( فبكى أبو بكر ثم بكى ) كرره لمزيد أسفه على فراق المصطفى ( ثم قال : أئنا لكائنون ) أي موجودون ( بعدك ) استفهام تأسف لا حقيقي لاستحالته من أبي بكر بعد أن أخبره النبي ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : فيه أن شهداء أحد ومن مات قبله - صلى الله عليه وسلم - أفضل ممن خلفهم بعده وهذا في الجملة لأن منهم من أصاب الدنيا بعده وأصابت منه ، أما الخصوص والتعيين فلا سبيل إليه .




                                                                                                          الخدمات العلمية