الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثالثة: قال ابن أبي حاتم: "إذا قيل: "شيخ" فهو بالمنزلة الثالثة، يكتب حديثه وينظر فيه، إلا أنه دون الثانية".

الرابعة: قال: إذا قيل: "صالح الحديث" فإنه يكتب حديثه للاعتبار.

قلت: وجاء عن أبي جعفر أحمد بن سنان قال: كان عبد الرحمن بن مهدي ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف، وهو رجل صدوق، فيقول: "رجل صالح الحديث" والله أعلم.

وأما ألفاظهم في الجرح فهي أيضا على مراتب:

أولاها: قولهم: "لين الحديث" قال ابن أبي حاتم: (إذا أجابوا في الرجل "بلين الحديث" فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه اعتبارا).

قلت: وسأل حمزة بن يوسف السهمي أبا الحسن الدارقطني الإمام، فقال له: إذا قلت: "فلان لين" أيش تريد به؟ قال: لا يكون ساقطا متروك الحديث، ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة.

الثانية: قال ابن أبي حاتم: (إذا قالوا: "ليس بقوي" فهو بمنزلة الأول في كتب حديثه، إلا أنه دونه).

الثالثة: قال: إذا قالوا: "ضعيف الحديث" فهو دون الثاني، لا يطرح حديثه، بل يعتبر به.

الرابعة: قال: (إذا قالوا: "متروك الحديث" أو: "ذاهب الحديث" أو: "كذاب" فهو ساقط الحديث، لا يكتب حديثه، وهي المنزلة الرابعة).

قال الخطيب أبو بكر: (أرفع العبارات في أحوال الرواة أن يقال: "حجة أو ثقة" وأدونها أن يقال: "كذاب، ساقط").

أخبرنا أبو بكر بن عبد المنعم الصاعدي الفراوي قراءة عليه بنيسابور، أنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ، أنا أبو الحسين بن الفضل، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يعقوب بن سفيان، قال: سمعت أحمد بن صالح قال: لا يترك حديث رجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه. قد يقال: "فلان ضعيف" فأما أن يقال: "فلان متروك" فلا، إلا أن يجمع الجميع على ترك حديثه.

ومما لم يشرحه ابن أبي حاتم وغيره من الألفاظ المستعملة في هذا الباب قولهم: "فلان قد روى الناس عنه، فلان وسط، فلان مقارب الحديث، فلان مضطرب الحديث، فلان لا يحتج به، فلان مجهول، فلان لا شيء، فلان ليس بذاك - وربما قيل: ليس بذاك القوي - فلان فيه أو في حديثه ضعف - وهو في الجرح أقل من قولهم: فلان ضعيف الحديث - فلان ما أعلم به بأسا - وهو في التعبير دون قولهم: لا بأس به - وما من لفظة منها ومن أشباهها إلا ولها نظير شرحناه، أو أصل أصلناه، يتنبه إن شاء الله تعالى به عليها. والله أعلم.

[ ص: 608 ] [ ص: 609 ]

التالي السابق


[ ص: 608 ] [ ص: 609 ] 101 - قوله: (ومما لم يشرحه ابن أبي حاتم وغيره من الألفاظ المستعملة في هذا الباب قولهم: "فلان قد روى الناس عنه، فلان وسط، فلان مقارب الحديث) إلى آخر كلامه فيه.

[ ص: 610 ] وفيه أمور:

أحدها: أن المصنف ذكر هنا ألفاظا للتوثيق وألفاظا للتجريح لم يميز بينها، وقال: إن ابن أبي حاتم وغيره لم يشرحوها، وأراد بكونهم لم يشرحوها أنهم لم يبينوا ألفاظ التوثيق من أي رتبة هي؟ من الثانية أو الثالثة مثلا، وكذلك ألفاظ التجريح لم يبينوا من أي منزلة هي، وليس المراد أنهم لم يبينوا هل هي من ألفاظ التوثيق أو التجريح؛ فإن هذا أمر لا يخفى على أهل الحديث.

وإذا كان كذلك فقد رأيت أن أذكر كل لفظ منها من أي رتبة هو؛ لتعرف منزلة الراوي به، فأقول:

الألفاظ التي هي للتوثيق - من هذه الألفاظ التي جمع بينها المصنف - أربعة ألفاظ، وهي قولهم:

"فلان روى عنه الناس" و"فلان وسط" و"فلان مقارب الحديث" و"فلان ما أعلم به بأسا"
وهذه الألفاظ الأربعة من الرتبة الرابعة وهي الأخيرة من ألفاظ التوثيق.

وأما بقية الألفاظ التي ذكرها هنا فإنها من ألفاظ الجرح، وهي سبعة ألفاظ:

فمن الرتبة الأولى - وهي ألين ألفاظ الجرح - قولهم: "فلان ليس بذاك" و"فلان ليس بذاك القوي" و"فلان فيه ضعف" و"فلان في حديثه ضعف".

ومن الدرجة الثانية - وهي أشد في الجرح من التي قبلها - قوله: "فلان لا يحتج به" "فلان مضطرب الحديث".

[ ص: 611 ] ومن الدرجة الثالثة - وهي أشد من اللتين قبلها - قوله: "فلان لا شيء" فهذا ما ذكره المصنف هنا مهملا من مراتبه، وذكر فيها أيضا "فلان مجهول" وقد تقدم ذكر المجهول في الموضع الذي ذكره المصنف، وأنه على ثلاثة أقسام فأغنى ذلك عن ذكره هنا.

الأمر الثاني: أن قوله: "مقارب الحديث" ضبط في الأصول الصحيحة المسموعة على المصنف بكسر الراء، وكذا ضبطه الشيخ محيي الدين النووي في مختصره.

وقد اعترض بعض المتأخرين بأن ابن السيد حكى فيه الوجهين [ ص: 612 ] الكسر والفتح، وأن اللفظين حينئذ لا يستويان؛ لأن كسر الراء من ألفاظ التعديل وفتحها من ألفاظ التجريح. انتهى.

وهذا الاعتراض والدعوى ليسا صحيحين بل الوجهان فتح الراء وكسرها معروفان، وقد حكاهما ابن العربي في كتاب الأحوذي، وهما على كل حال من ألفاظ التوثيق.

وقد ضبط أيضا في النسخ الصحيحة عن البخاري بالوجهين. وممن ذكره من ألفاظ التوثيق الحافظ أبو عبد الله الذهبي في مقدمة الميزان، وكأن المعترض فهم من فتح الراء أن الشيء المقارب هو الرديء، وهذا فهم عجيب؛ فإن هذا ليس معروفا في اللغة، وإنما هو في ألفاظ العوام، وإنما هو على الوجهين من قوله: "سددوا وقاربوا".

[ ص: 613 ] فمن كسر قال: إذ معناه أن حديثه مقارب لحديث غيره، ومن فتح قال: معناه أن حديثه يقاربه حديث غيره، ومادة فاعل تقتضي المشاركة إلا في مواضع قليلة. والله أعلم.

واعلم أن ابن سيده حكى في "الرجل المقارب" الكسر فقط، فقال: "ورجل مقارب" "متاع مقارب: ليس بنفيس" وقال بعضهم: "دين مقارب بالكسر ومتاع مقارب بالفتح" هذه عبارته في المحكم، فلم يحك الفتح إلا في المتاع فقط.

وأما الجوهري فجعل الكل بالكسر، وقال: "ولا تقل مقارب" أي بالفتح.

الأمر الثالث: أن المصنف أهمل من ألفاظ التوثيق والجرح أكثر مما زاده على ابن أبي حاتم، فرأيت أن أذكر منها ما يحضرني؛ لتعرف وتضبط.

فأما ألفاظ التوثيق: فمن المرتبة الثانية على مقتضى عمل المصنف قولهم: [ ص: 614 ] "فلان مأمون .. فلان خيار" وهذان من الرتبة الثالثة على مقتضى عمل الذهبي في جعله أعلى الدرجات تكرار التوثيق كما تقدم.

ومن الرتبة الرابعة أو الثالثة قولهم: "فلان إلى الصدق ما هو .. فلان جيد الحديث .. فلان حسن الحديث .. وفلان صويلح .. وفلان صدوق إن شاء الله .. وفلان أرجو أنه لا بأس به".

وأما ألفاظ التجريح: فمن المرتبة الأولى وهي ألين ألفاظ التجريح قولهم: "فلان فيه مقال .. وفلان ضعيف .. وفلان تعرف وتنكر .. وفلان ليس بالمتين .. أو ليس بحجة .. أو ليس بعمدة .. أو ليس بالمرضي .. وفلان للضعف ما هو .. وسيئ الحفظ .. وفيه خلف .. وطعنوا فيه .. وتكلموا فيه".

ومن الرتبة الثانية - وهي أشد من الأولى -: "فلان واه .. فلان ضعفوه .. فلان منكر الحديث".

ومن الرتبة الثالثة - وهي أشد منهما - قولهم: "فلان ضعيف جدا .. فلان واه بمرة .. فلان لا يساوي شيئا .. فلان مطرح .. وطرحوا حديثه .. وارم به ورد حديثه".

ومن الرتبة الرابعة: "فلان متهم بالكذب .. وهالك .. وليس بثقة .. ولا يعتبر به .. وفيه نظر .. وسكتوا عنه" وهاتان العبارتان يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه.

ومن الرتبة الخامسة - ولم يذكرها المصنف -: "فلان وضاع .. فلان دجال".

ولهم ألفاظ أخر يستدل بهذه عليها. والله أعلم.




الخدمات العلمية