الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملك الترك بخارى

في هذه السنة ملك مدينة بخارى شهاب الدولة هارون بن سليمان أيلك المعروف ببغراخان التركي ، وكان له كاشغر وبلاساغون إلى حد الصين .

وكان سبب ذلك أن أبا الحسن بن سيمجور لما مات وولي ابنه أبو علي خراسان بعده ، كاتب الأمير الرضي نوح بن منصور يطلب أن يقره على ما كان أبوه يتولاه ، فأجيب إلى ذلك ، وحملت إليه الخلع ، وهو لا يشك أنها له ، فلما بلغ الرسول طريق هراة عدل إليها ، وبها فائق ، فأوصل الخلع والعهد بخراسان إليه ، فعلم أبو علي أنهم مكروا به ، وأن هذا دليل سوء يريدونه به ، فلبس فائق الخلع وسار عن هراة نحو أبي علي فبلغه الخبر ، فسار جريدة في نخبة أصحابه ، وطوى المنازل حتى سبق خبره ، فأوقع بفائق فيما بين بوشنج وهراة ، فهزم فائقا وأصحابه ، وقصدوا مرو الروذ .

[ ص: 459 ] وكتب أبو علي إلى الأمير نوح يجدد طلب ولاية خراسان ، فأجابه إلى ذلك ، وجمع له ولاية خراسان جميعها بعد أن كانت هراة لفائق ، فعاد أبو علي إلى نيسابور ظافرا ، وجبى أموال خراسان ، فكتب إليه نوح يستنزله عن بعضها ليصرفه في أرزاق جنده ، فاعتذر إليه ولم يفعل ، وخاف عاقبة المنع ، فكتب إلى بغراخان المذكور يدعوه إلى أن يقصد بخارى ويملكها على السامانية ، وأطمعه فيهم ، واستقر الحال بينهما على أن يملك بغراخان ما وراء النهر كله ، ويملك أبو علي خراسان ، فطمع بغراخان في البلاد ، وتجدد له إليها حركة .

وأما فائق فإنه أقام بمرو الروذ حتى انجبر كسره واجتمع إليه أصحابه وسار نحو بخارى من غير إذن ، فارتاب الأمير نوح به ، فسير إليه الجيوش وأمرهم بمنعه ، فلما لقوه قاتلوه ، فانهزم فائق وأصحابه ، وعاد على عقبيه ، وقصد ترمذ . فكتب الأمير نوح إلى صاحب الجوزجان من قبله ، وهو أبو الحرث أحمد بن محمد الفريغوني ، وأمره بقصد فائق فجمع جمعا كثيرا وسار نحوه ، فأوقع بهم فائق فهزمهم وغنم أموالهم .

وكاتب أيضا بغراخان يطمعه في البلاد ، فسار نحو بخارى وقصد بلاد السامانية ، فاستولى عليها شيئا بعد شيء فسير إليه نوح جيشا كثيرا ، واستعمل عليهم قائدا كبيرا من قواده اسمه انج ، فلقيهم بغراخان ، فهزمهم ، وأسر انج وجماعة من القواد ، فلما ظفر بهم قوي طمعه في البلاد ، وضعف نوح وأصحابه ، وكاتب الأمير نوح أبا علي بن سيمجور يستنصره ، ويأمره بالقدوم إليه بالعساكر ، فلم يجبه إلى ذلك ، ولا لبى دعوته ، ( وقوي طمعه ) في الاستيلاء على خراسان .

وسار بغراخان نحو بخارى ، فلقيه فائق ، واختص به ، وصار في جملته ونازلوا بخارى ، فاختفى الأمير نوح ، وملكها بغراخان ونزلها ، وخرج نوح منها مستخفيا فعبر النهر إلى آمل الشط ، وأقام بها ولحق به أصحابه ، فاجتمع عنده منهم جمع كثير ، وأقاموا هناك .

[ ص: 460 ] وتابع نوح كتبه إلى أبي علي ورسله يستنجده ويخضع له ، فلم يصغ إلى ذلك . وأما فائق فإنه استأذن بغراخان في قصد بلخ والاستيلاء عليها ، فأمره بذلك ، فسار نحوها ونزلها .

التالي السابق


الخدمات العلمية