الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إنك لا تهدي من أحببت الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد بن حميد ، ومسلم ، والترمذي ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل"، عن أبي هريرة قال : لما حضرت وفاة أبي طالب، أتاه [ ص: 491 ] النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «يا عماه، قل : لا إله إلا الله، أشهد لك بها عند الله يوم القيامة» . فقال : لولا أن تعيرني قريش، يقولون : ما حمله عليها إلا جزعه من الموت لأقررت بها عينك . فأنزل الله : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن ابن المسيب نحوه . وتقدم في سورة "براءة" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : إنك لا تهدي من أحببت قال : نزلت هذه الآية في أبي طالب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ، في "القدر"، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد بن رافع قال : قلت لابن عمر : إنك لا تهدي من أحببت أفي أبي طالب نزلت؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن أبي سعيد بن رافع قال : سألت ابن عمر : إنك لا تهدي من أحببت أفي أبي جهل وأبي طالب نزلت؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 492 ] وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : إنك لا تهدي من أحببت قال : قول محمد صلى الله عليه وسلم لأبي طالب : «قل كلمة الإخلاص أجادل عنك بها يوم القيامة» . قال : يا ابن أخي، ملة الأشياخ، وهو أعلم بالمهتدين قال : بمن قدر الهدى والضلالة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن قتادة : إنك لا تهدي من أحببت قال : ذكر لنا أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألاصه منه عند موته أن يقول : لا إله إلا الله . كيما تحل له الشفاعة، فأبى عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة : إنك لا تهدي من أحببت يعني أبا طالب، ولكن الله يهدي من يشاء يعني العباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو سهل السري بن سهل الجنديسابوري في الخامس من حديثه، من طريق عبد القدوس، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : [ ص: 493 ] إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء قال : نزلت في أبي طالب، ألح عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلم فأبى، فأنزل الله : إنك لا تهدي من أحببت أي : لا تقدر تلزمه الهدى وهو كاره له، إنما أنت نذير، ولكن الله يهدي من يشاء للإيمان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أيضا من طريق عبد القدوس، عن نافع ، عن ابن عمر في قوله : إنك لا تهدي من أحببت قال : نزلت في أبي طالب عند موته، والنبي صلى الله عليه وسلم عند رأسه وهو يقول : «يا عم، قل : لا إله إلا الله . أشفع لك بها يوم القيامة» . قال أبو طالب : لا، تعيرني نساء قريش بعدي أني جزعت عند موتي . فأنزل الله : إنك لا تهدي من أحببت يعني : لا تقدر أن تلزمه الهدى وهو يهوى الشرك، ولا تقدر تدخله الإسلام كرها حتى يهواه، ولكن الله يهدي من يشاء . ولكن الله لو يشاء أن يقهره على الهدى كرها لفعل، وليس بفاعل حتى يكون ذلك منه، فأخبر الله بقدرته، وهو كقوله : لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين [الشعراء : 3-4] . فأخبر بقدرته أنه لا يعجزه شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج العقيلي ، وابن عدي ، وابن مردويه ، والديلمي ، وابن عساكر ، [ ص: 494 ] وابن النجار ، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بعثت داعيا ومبلغا، وليس إلي من الهدى شيء، وخلق إبليس مزينا، وليس إليه من الضلالة شيء» .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية