الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب إجابة من قال لصاحبه ادع من لقيت وحكم الإجابة في اليوم الثاني والثالث 2756 - ( عن أنس قال : { تزوج النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله ، فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور ، فقالت : يا أنس اذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهبت به ، فقال : ضعه ، ثم قال : اذهب فادع لي فلانا وفلانا ومن لقيت ، فدعوت من سمى ومن لقيت } . متفق عليه ولفظه لمسلم ) .

                                                                                                                                            [ ص: 216 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            [ ص: 216 ] قوله : ( حيسا ) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها سين مهملة ، وهو ما يتخذ من الأقط والتمر والسمن ، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق . قوله : ( في تور ) بفتح الفوقية وسكون الواو وآخره راء مهملة : وهو إناء من نحاس أو غيره . والحديث فيه دليل على جواز الدعوة إلى الطعام على الصفة التي أمر بها صلى الله عليه وسلم من دون تعيين المدعو ، وفيه جواز إرسال الصغير إلى من يريد المرسل دعوته إلى طعامه وقبول الهدية من المرأة الأجنبية ومشروعية هدية الطعام .

                                                                                                                                            وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه قد روي أن ذلك الطعام كفى جميع من حضر إليه وكانوا جمعا كثيرا مع كونه شيئا يسيرا كما يدل على ذلك قوله : " فجعلته في تور " وكون الحامل له ذلك الصغير .

                                                                                                                                            2757 - ( وعن قتادة عن الحسن عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف يقال له : معروفا ، وأثنى عليه . قال قتادة : إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الوليمة أول يوم حق ، واليوم الثاني معروف ، واليوم الثالث سمعة ورياء } رواه أحمد وأبو داود ، ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود وابن ماجه من حديث أبي هريرة ) . الحديث الأول أخرجه أيضا النسائي والدارمي والبزار ، وأخرجه البغوي في معجم الصحابة فيمن اسمه زهير ، قال : ولا أعلم له غيره . وقال ابن عبد البر : في إسناده نظر ، يقال له : إنه مرسل وليس له غيره ، وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير في ترجمة زهير بن عثمان وقال : لا يصح إسناده ولا يعرف له صحبة . ووهم ابن قانع فذكره في الصحابة فيمن اسمه معروف ، وذلك أنه وقع في السنن والمسند عن رجل من ثقيف كان يقال له معروفا : أي يثنى عليه ، وحديث ابن مسعود استغربه الترمذي . وقال الدارقطني : تفرد به زياد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه ، قال الحافظ : وزياد مختلف في الاحتجاج به ، ومع ذلك فسماعه عن عطاء بعد الاختلاط .

                                                                                                                                            وحديث أبي هريرة في إسناده عبد الملك بن حسين النخعي الواسطي ، قال الحافظ : ضعيف .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أنس عند البيهقي وفي إسناده بكر بن خنيس وهو ضعيف ، وذكره ابن أبي حاتم والدارقطني في العلل من حديث الحسن عن أنس ، ورجحا رواية من أرسله عن الحسن .

                                                                                                                                            وفي الباب أيضا عن وحشي بن حرب عند الطبراني بإسناد ضعيف . وعن ابن عباس عنده أيضا بإسناد كذلك . الحديث فيه دليل مشروعية [ ص: 217 ] الوليمة في اليوم الأول وهو من متمسكات من قال بالوجوب كما سلف ، وعدم كراهتها في اليوم الثاني لأنها معروف والمعروف ليس بمنكر ولا مكروه ، وكراهتها في اليوم الثالث لأن الشيء إذا كان للسمعة والرياء لم يكن حلالا .

                                                                                                                                            قال النووي : إذا أولم ثلاثا فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة ، وفي اليوم الثاني لا تجب قطعا ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأول انتهى .

                                                                                                                                            وذهب بعض العلماء إلى الوجوب في اليوم الثاني ، وبعضهم إلى الكراهة ، وإلى كراهة الإجابة في اليوم الثالث ذهبت الشافعية والحنابلة والهادوية . وأخرج ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت : " لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام فلما كان يوم الأنصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما ، فكان أبي صائما ، فلما طعموا دعا أبيا " وأخرجه عبد الرزاق وقال فيه : " ثمانية أيام " . وقد ذهب إلى استحباب الدعوة إلى سبعة أيام المالكية كما حكى ذلك القاضي عياض عنهم .

                                                                                                                                            وقد أشار البخاري إلى ترجيح هذا المذهب فقال : باب إجابة الوليمة والدعوة ، ومن أولم سبعة أيام ولم يؤقت النبي صلى الله عليه وسلم يوما ولا يومين ، انتهى . ولا يخفى أن أحاديث الباب يقوي بعضها بعضا ، فتصلح للاحتجاج بها على أن الدعوة بعد اليومين مكروهة .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية