الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب من دعي فرأى منكرا فلينكره وإلا فليرجع 2758 - ( قد سبق قوله : { من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه } ) .

                                                                                                                                            2759 - ( وعن { علي رضي الله عنه قال : صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع } . رواه ابن ماجه ) .

                                                                                                                                            2760 - ( وعن ابن عمر قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مطعمين : عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر ، وأن يأكل وهو منبطح } . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            2761 - ( وعن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار ، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل [ ص: 218 ] الحمام } رواه أحمد ، ورواه الترمذي بمعناه من رواية جابر ، وقال : حديث حسن غريب .

                                                                                                                                            قال أحمد : وقد خرج أبو أيوب حين دعاه ابن عمر فرأى البيت قد ستر ودعا حذيفة فخرج ، وإنما رأى شيئا من زي الأعاجم . قال البخاري : ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث الأول الذي أشار المصنف إليه قد سبق في باب خطبة العيد وأحكامها من كتاب العيدين . وحديث علي أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح ، وسياقه هكذا : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي فذكره . وتشهد له أحاديث قد تقدمت في باب حكم ما فيه صورة من الثياب من كتاب اللباس . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا النسائي والحاكم ، وهو من رواية جعفر بن برقان عن الزهري ولم يسمع منه . وقد أعل الحديث بذلك أبو داود والنسائي وأبو حاتم : ولكنه قد روى أحمد والنسائي والترمذي والحاكم عن جابر مرفوعا : { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر } وأخرجه أيضا الترمذي من طريق ليث بن أبي سليم عن طاوس عن جابر . وهذا الحديث هو الذي أشار إليه المصنف ، وقد حسنه الترمذي ، وقال الحافظ : إسناده جيد . وأما الطريق الأخرى التي انفرد بها الترمذي فإسنادها ضعيف . وأخرج نحوه البزار من حديث أبي سعيد والطبراني من حديث ابن عباس وعمران بن حصين . وحديث عمر إسناده ضعيف كما قاله الحافظ في التلخيص .

                                                                                                                                            وأثر أبي أيوب رواه البخاري في صحيحه معلقا بلفظ : ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا فقال : غلبنا عليه النساء ، فقال : من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك ، والله لا أطعم لكم طعاما فرجع " وقد وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده والطبراني .

                                                                                                                                            وأثر ابن مسعود قال الحافظ : كذا في رواية المستملي والأصيلي والقابسي .

                                                                                                                                            وفي رواية الباقين أبو مسعود ، والأول تصحيف فيما أظن فإني لم أر الأثر المعلق إلا عن أبي مسعود عقبة بن عمر . وأخرجه البيهقي من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود وسنده صحيح ، وخالد بن سعد هو مولى أبي مسعود الأنصاري ، ولا أعرف له عن عبد الله بن مسعود رواية . ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أيضا لكن لم أقف عليه .

                                                                                                                                            وأخرج أحمد في كتاب الزهد من طريق عبد الله بن عتبة قال : " دخل ابن عمر بيت رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور ، فقال ابن عمر : يا فلان متى تحولت الكعبة في بيتك ، فقال لنفر معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : ليهتك كل رجل ما يليه " . [ ص: 219 ] وأحاديث الباب وآثاره فيها دليل على أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله لما في ذلك من إظهار الرضا بها .

                                                                                                                                            قال في الفتح : وحاصله إن كان هناك محرم وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس ، وإن لم يقدر فليرجع ، وإن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفي الورع . وقال : وقد فصل العلماء في ذلك ، فإن كان هناك لهو مما اختلف فيه فيجوز الحضور ، والأولى الترك ، وإن كان هناك حرام كشرب الخمر نظر ، فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لأجله فليحضر ، وإن لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان : أحدهما : يحضر وينكر بحسب قدرته وإن كان الأولى أن لا يحضر .

                                                                                                                                            قال البيهقي : وهو ظاهر نص الشافعي وعليه جرى العراقيون من أصحابه . وقال صاحب الهداية من الحنفية : لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يكن يقتدى به فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية . وحكي عن أبي حنيفة أنه قعد ، وهو محمول على أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به . قال : هذا كله بعد الحضور ، فإن علم قبله لم يلزمه الإجابة . والوجه الثاني للشافعية : تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر ، وصححه المروزي فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم ، فإن لم ينتهوا فليخرج إلا إن خاف على نفسه من ذلك . وعلى ذلك جرى الحنابلة ، وكذا اعتبر المالكية في وجوب الإجابة أن لا يكون هناك منكر ، وكذلك الهادوية .

                                                                                                                                            وحكى ابن بطال وغيره عن مالك أن الرجل إذا كان من أهل الهيبة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا ، ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة طعام الفاسقين } أخرجه الطبراني في الأوسط . قوله : ( فلا يدخل الحمام . . . إلخ ) قد تقدم الكلام على ذلك في باب ما جاء في دخول الحمام من كتاب الغسل . قوله : ( فرأى البيت قد ستر ) اختلف العلماء في حكم ستر البيوت والجدران فجزم جمهور الشافعية بالكراهة . وصرح الشيخ نصر الدين المقدسي منهم بالتحريم .

                                                                                                                                            واحتج بحديث عائشة عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين ، وجذب الستر حتى هتكه } قال البيهقي : هذه اللفظة تدل على كراهة ستر الجدر ، وإن كان في بعض ألفاظ الحديث أن المنع كان بسبب الصورة . وقال غيره : ليس في السياق ما يدل على التحريم وإنما فيه نفي الأمر بذلك ، ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي ، لكن يمكن أن يحتج بفعله صلى الله عليه وسلم في هتكه . وقد جاء النهي عن ستر الجدر صريحا منها في حديث ابن عباس عند أبي داود وغيره : { لا تستروا الجدر بالثياب } وفي إسناده ضعف ، وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين ، أخرجه ابن وهب ، ثم البيهقي من طريقه . وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان موقوفا أنه أنكر ستر البيت . وقال : " أمحموم بيتكم وتحولت الكعبة عندكم ؟ ثم [ ص: 220 ] قال : لا أدخله حتى يهتك " وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى ، وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه : { كيف بكم إذا سترتم بيوتكم } الحديث وأصله في النسائي .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية