الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوصية التي صدرت من الشافعي رضي الله عنه قال الربيع بن سليمان : هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي في شعبان سنة ثلاث ومائتين وأشهد الله عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وكفى به جل ثناؤه شهيدا ، ثم من سمعه أنه شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله لم يزل يدين بذلك وبه يدين حتى يتوفاه الله ويبعثه عليه إن شاء الله وأنه يوصي نفسه وجماعة من سمع وصيته بإحلال ما أحل الله عز وجل في كتابه ، ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وتحريم ما حرم الله في الكتاب ، ثم في السنة وأن لا يجاوز من ذلك إلى غيره وأن مجاوزته ترك رضا الله وترك ما خالف الكتاب والسنة وهما من المحدثات والمحافظة على أداء فرائض الله عز وجل في القول والعمل والكف عن محارمه خوفا لله وكثرة ذكر الوقوف بين يديه { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } وأن تنزل الدنيا حيث أنزلها الله فإنه لم يجعلها دار مقام إلا مقام مدة عاجلة الانقطاع ، وإنما جعلها دار عمل وجعل الآخرة دار قرار وجزاء فيها بما عمل في الدنيا من خير ، أو شر إن لم يعف الله جل ثناؤه ، وأن لا يخال أحدا إلا أحدا خاله لله فمن يفعل الخلة في الله - تبارك وتعالى - ويرجى منه إفادة علم في دين وحسن أدب في الدنيا ، وأن يعرف المرء زمانه ويرغب إلى الله تعالى ذكره في الخلاص من شر نفسه فيه ، ويمسك عن الإسراف من قول ، أو فعل في أمر لا يلزمه وأن يخلص النية لله عز وجل فيما قال : وعمل ، وأن الله تعالى يكفيه مما سواه ، ولا يكفي منه شيء غيره ، وأوصى متى حدث به حادث الموت الذي كتبه الله جل وعز عن خلقه الذي أسأل الله العون عليه ، وعلى ما بعده وكفاية كل هول دون الجنة برحمته ، ولم يغير وصيته هذه ، أن يلي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي النظر في أمر ثابت الخصي الأقرع الذي خلف بمكة ، فإن كان غير مفسد فيما خلفه محمد بن إدريس فيه أعتقه عن محمد بن إدريس فإن حدث بأحمد بن محمد حدث قبل أن ينظر في أمره نظر في أمره القائم بأمر محمد بن إدريس بعد أحمد فأنفذ فيه ما جعل إلى أحمد وأوصى أن جاريته الأندلسية التي تدعى فوز التي ترضع ابنه أبا الحسن بن محمد بن إدريس إذا استكمل أبو الحسن بن محمد بن إدريس سنتين واستغنى [ ص: 129 ] عن رضاعها ، أو مات قبل ذلك فهي حرة لوجه الله تعالى ، وإذا استكمل سنتين ورئي أن الرضاع خير له أرضعته سنة أخرى ، ثم هي حرة لوجه الله تعالى إلا أن يرى أن ترك الرضاع خير له أن يموت فتعتق بأيهما كان ومتى أخرج إلى مكة أخرجت معه حتى يكمل ما وصفت من رضاعه ، ثم هي حرة ، وإن عتقت قبل أن يخرج إلى مكة لم تكره في الخروج إلى مكة وأوصى أن تحمل أم أبي الحسن أم ولده دنانير وأن تعطي جاريته سكة السوداء وصية لها ، أو أن يشترى لها جارية ، أو خصي بما بينها وبين خمسة وعشرين دينارا ، أو يدفع إليها عشرون دينارا وصية لها فأي واحد من هذا اختارته دفع إليها ، وإن مات ابنها أبا الحسن قبل أن تخرج به إلى مكة فهذه الوصية لها إن شاءتها ، وإن لم تعتق حتى تخرج بأبي الحسن إلى مكة حملت وابنها معها مع أبي الحسن ، وإن مات أبو الحسن قبل أن تخرج به إلى مكة عتقت فوز وأعطيت ثلاثة دنانير وأوصى أن يقسم ثلث ماله بأربعة وعشرين سهما على دنانير سهمان من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله ما عاش ابنها وأقامت معه ينفق عليها منه ، وإن مات ابنها أبو الحسن وأقامت مع ولد محمد بن إدريس فذلك لها ومتى فارقت ابنها وولده قطع عنها ما أوصى لها به ، وإن أقامت فوز مع دنانير بعدما تعتق فوز ودنانير مقيمة مع ابنها محمد ، أو ولد محمد بن إدريس وقف على فوز سهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث مال محمد بن إدريس ينفق عليها منه ما أقامت معها ومع ولد محمد بن إدريس فإن لم تقم فوز قطع عنها ورد على دنانير أم ولد محمد بن إدريس وأوصى لفقراء آل شافع بن السائب بأربعة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يدفع إليهم سواء فيه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وإناثهم وأوصى لأحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي بستة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله وأوصى أن يعتق عنه رقاب بخمسة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله ويتحرى أفضل ما يقدر عليه وأحمده ويشترى منهم مسعدة الخياط إن باعه من هو له فيعتق وأوصى أن يتصدق على جيران داره التي كان يسكن بذي طوى من مكة بسهم واحد من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يدخل فيهم كل من يحوي إدريس ولاءه وموالي أمه ذكرهم وإناثهم فيعطي كل واحد منهم ثلاثة أضعاف ما يعطي واحدا من جيرانه وأوصى لعبادة السندية وسهل وولدهما مواليه وسليمة مولاة أمه ومن أعتق في وصيته بسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يجعل لعبادة ضعف ما يجعل لكل واحد منهم ويسوي بين الباقين ، ولا يعطي من مواليه إلا من كان بمكة وكل ما أوصى به من السهمان من ثلثه بعدما أوصى به من الحمولة والوصايا يمضي بحسب ما أوصى به بمصر فيكون مبدأ ، ثم يحسب باقي ثلثه فيخرج الأجزاء التي وصفت في كتابه وجعل محمد بن إدريس إنفاذ ما كان من وصاياه بمصر وولاية جميع تركته بها إلى الله تعالى ، ثم إلى عبد الله بن عبد الحكم القرشي ويوسف بن عمرو بن يزيد الفقيه وسعيد بن الجهم الأصبحي فأيهم مات ، أو غاب ، أو ترك القيام بالوصية قام الحاضر القائم بوصيته مقاما يغنيه عمن غاب عن وصيةمحمد بن إدريس ، أو تركها وأوصى يوسف بن يزيد وسعيد بن الجهم وعبد الله بن عبد الحكم أن يلحقوا ابنه أبا الحسن متى أمكنهم إلحاقه بأهله بمكة ، ولا يحمل بحرا وإلى البر سبيل بوجه ويضموه وأمه إلى ثقة وينفذوا ما أوصاهم به بمصر ويجمعوا ماله ومال أبي الحسن ابنه بها ويلحقوا ذلك كله ورقيق أبي الحسن معه بمكة حتى يدفع إلى وصي محمد بن إدريس بها وما يخلف لمحمد بن إدريس ، أو ابنه أبي الحسن بن محمد بمصر من شيء فسعيد بن الجهم وعبد الله بن عبد الحكم ويوسف بن عمرو أوصياءه فيه وولاة ولده ما كان له ولهم بمصر على ما شرط أن يقوم الحاضر منهم في كل ما أسند إليه مقام كلهم وما أوصلوا إلى أوصياء محمد بن إدريس بمكة وولاة [ ص: 130 ] ولده مما يقدر على إيصاله ، فقد خرجوا منه وهم قائمون بدين محمد بن إدريس قبضا وقضاء دين إن كان عليها بها وبيع ما رأوا بيعه من تركته وغير ذلك من جميع ماله وعليه بمصر وولاية ابنه أبي الحسن ما كان بمصر وجميع تركة محمد بن إدريس بمصر من أرض وغيرها وجعل محمد بن إدريس ، ولاء ولده بمكة وحيث كانوا إلى عثمان وزينب وفاطمة بني محمد بن إدريس وولاء ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس من دنانير أم ولده إذا فارق مصر والقيام بجميع أموال ولده الذين سمى وولدان حدث لمحمد بن إدريس حتى يصيروا إلى البلوغ والرشد معا وأموالهم حيث كانت إلا ما يلي أوصياؤه ، فإن ذلك إليهم ما قام به قائم منهم ، فإذا تركه فهو إلى وصييه بمكة وهما أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي وعبيد الله بن إسماعيل بن مقرظ الصراف فإن عبيد الله توفي ، أو لم يقبل وصية محمد بن إدريس فأحمد بن محمد القائم بذلك كله ومحمد يسأل الله القادر على ما يشاء أن يصلي على سيدنا محمد عبده ورسوله وأن يرحمه فإنه فقير إلى رحمته وأن يجيره من النار ، فإن الله تعالى غني عن عذابه وأن يخلفه في جميع ما يخلف بأفضل ما خلف به أحدا من المؤمنين وأن يكفيهم فقده ويجبر مصيبتهم من بعده وأن يقيهم معاصيه وإتيان ما يقبح بهم والحاجة إلى أحد من خلقه بقدرته ولله الحمد أشهد محمد بن إدريس الشافعي على نفسه في مرضه أن سليما الحجام ليس إنما هو لبعض ولده ، وهو مشهود علي فإن بيع فإنما ذلك على وجه النظر له فليس مالي منه شيء ، وقد أوصيت بثلثي ، ولا يدخل في ثلثي ما لا قدر له من فخار وصحاف وحصر من سقط البيت وبقايا طعام البيت وما لا يحتاج إليه مما لا خطر له شهد على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية