الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وكره له أخذ شيء إن نشز ) أي كرهها والنشوز يكون من الزوجين ، وهو كراهة كل واحد منهما صاحبه كما في المغرب ، وفي المصباح نشزت المرأة من زوجها نشوزا من بابي قعد وضرب عصت زوجها وامتنعت عليه ، ونشز الرجل من امرأته نشوزا بالوجهين تركها وجفاها ، وفي التنزيل { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } وأصله الارتفاع يقال نشز من مكانه نشوزا بالوجهين إذا ارتفع عنه ، وفي السبعة { وإذا قيل انشزوا فانشزوا } بالضم والكسر ، والنشز بفتحتين المكان المرتفع [ ص: 83 ] من الأرض ، والسكون لغة فيه . ا هـ .

                                                                                        وأراد بالكراهة كراهة التحريم المنتهضة سببا للعقاب ، والحق أن الأخذ في هذه الحالة حرام قطعا لقوله تعالى { فلا تأخذوا منه شيئا } ولا يعارضه الآية الأخرى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } لأن تلك فيما إذا كان النشوز من قبله فقط ، والأخرى فيما إذا خافا أن لا يقيما حدود الله فليس من قبله فقط نشوز على أنهما لو تعارضا كانت حرمة الأخذ ثابتة بالعمومات القطعية فإن الإجماع على حرمة أخذ مال المسلم بغير حق ، وفي إمساكها لا لرغبة بل إضرارا ، وتضييقا ليقتطع مالها في مقابلة خلاصها من الشدة التي هي معه فيها ذلك ، وقال تعالى { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه } فهذا دليل قطعي على حرمة أخذ مالها كذلك فيكون حراما إلا أنه لو أخذ جاز في الحكم أي يحكم بصحة التمليك ، وإن كان بسبب خبيث ، وتمامه في فتح القدير ، وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي جرير عن ابن زيد في الآية قال ثم رخص بعد فقال { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } قال فنسخت هذه تلك ا هـ .

                                                                                        والحاصل أن ما في النساء منسوخ بآية البقرة ، وهو يقتضي حل الأخذ مطلقا إذا رضيت أطلقه فشمل القليل والكثير ، ويلحق به الإبراء عما لها عليه فإنه لا يجوز أيضا إذا كان النشوز منه لأنه اعتداء وإضرار ( قوله وإن نشزت لا ) أي لا يكره له الأخذ إذا كانت هي الكارهة أطلقه فشمل القليل والكثير ، وإن كان أكثر مما أعطاها ، وهو المذكور في الجامع الصغير ، وسواء كان منه نشوز لها أيضا أو لا فإن كانت الكراهة من الجانبين فالإباحة ثابتة بعبارة قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وإن كانت من جانبها فقط فبدلالتها بالأولى ، والمذكور في الأصل كراهة الزيادة على ما أعطاها ، وينبغي حمله على خلاف الأولى كما ينبغي حمل الحديث عليه أيضا ، وهو قوله أما الزيادة فلا لأن النص نفى الجناح مطلقا فتقييده بخبر الواحد لا يجوز لما عرف في الأصول ، ولذا قال في فتح القدير إن رواية الجامع أوجه وصحح الشمني رواية الأصل لأحاديث ذكرها .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وفي إمساكها لا لرغبة ) الجار والمجرور خبر مقدم ، وقوله ذلك مبتدأ مؤخر ، والإشارة إلى قوله أخذ مال المسلم بغير حق ( قوله وهو يقتضي حل الأخذ مطلقا ) أي سواء كان النشوز منه أو منها قلت لكن قد علمت مما قدمه أن آية { فلا تأخذوا منه شيئا } فيما إذا كان النشوز منه ، وآية { فلا جناح عليهما } فيما إذا كان منها فلا تعارض بينهما حتى تنسخ إحداهما بالأخرى ( قوله ، وصحح الشمني رواية الأصل ) قد علمت عدم المنافاة بين الروايتين بما ذكره من التوفيق ، وهو مصرح به في الفتح فإنه ذكر أولا أن المسألة مختلفة بين الصحابة ثم ساق النصوص من الطرفين ثم حقق ثم قال وعلى هذا يظهر كون رواية الجامع أوجه نعم يكون أخذ الزيادة خلاف الأولى ، والمنع محمول على ما هو الأولى وطريق القرب إلى الله سبحانه .




                                                                                        الخدمات العلمية