الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويستحب أن يصلي صلاة التسبيح ، كما سيأتي في باب التطوعات كيفيتها لأنه : صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس : صلها في كل جمعة . وكان ابن عباس رضي الله عنهما لا يدع هذه الصلاة يوم الجمعة بعد الزوال ، وكان يخبر عن جلالة فضلها .

والأحسن أن يجعل وقته إلى الزوال للصلاة وبعد صلاة ، الجمعة إلى العصر لاستماع العلم وبعد العصر إلى المغرب للتسبيح ، والاستغفار .

التالي السابق


(ويستحب أن يصلي صلاة التسبيح، كما سيأتي في باب التطوعات كيفيتها: روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لعمه العباس: صلها في كل جمعة. وكان ابن عباس لا يدع هذه الصلاة يوم الجمعة بعد الزوال، وكان يخبر عن جلالة فضلها) ، ولفظ القوت: وإن صلى يوم الجمعة قبل الزوال صلاة التسبيح، وهي ثلاثمائة تسبيحة في أربع ركعات، فقد أكثر وأطاب، وقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعمه العباس: صلها في كل جمعة مرة. وذكر أبو الجوزاء، عن ابن عباس أنه لم يكن يدع هذه الصلاة كل يوم جمعة بعد الزوال، وأخبر بفضلها ما يجل عنه الوصف. اهـ .

وقال العراقي: أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وابن خزيمة، والحاكم من حديث ابن عباس، وقال العقيلي وغيره: ليس فيها حديث صحيح. اهـ .

وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الرافعي: أما صلاة التسبيح، فرواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن خزيمة، كلهم عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، عن موسى بن عبد العزيز، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله

[ ص: 301 ] عليه وسلم - للعباس: يا عباس، يا عماه، ألا أمنحك؟ ألا أحبوك
... الحديث بطوله، وصححه أبو علي بن السكن، والحاكم، وادعى أن النسائي أخرجه في صحيحه، عن عبد الرحمن بن بشر، قال: وتابعه إسحاق بن إسرائيل، عن موسى، وأن ابن خزيمة رواه عن محمد بن يحيى، عن إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه مرسلا، وإبراهيم ضعيف. قال المنذري: وفي الباب، عن أنس، وأبي رافع، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وغيرهم، وأمثلها حديث ابن عباس. اهـ .

قال الحافظ: وفيه، عن الفضل بن عباس، فحديث أبي رافع أخرجه الترمذي، وحديث عبد الله بن عمر رواه الحاكم، وسنده ضعيف، وحديث أنس رواه الترمذي أيضا، وفيه نظر؛ لأن لفظه لا يناسب ألفاظ صلاة التسبيح، وقد تكلم عليه شيخنا في شرح الترمذي، وحديث الفضل بن عباس ذكره الترمذي، وحديث عبد الله بن عمرو رواه أبو داود.

قال الدارقطني: أصح شيء في فضائل سور القرآن قل هو الله أحد، وأصح شيء في فضل الصلاة صلاة التسبيح، وقال أبو جعفر العقيلي: ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت .

وقال أبو بكر بن العربي: ليس منها حديث صحيح، ولا حسن، وبالغ ابن الجوزي، فذكره في الموضوعات، وصنف أبو موسى المديني جزءا في تصحيحه، فتباينا، والحق أن طرقه كلها ضعيفة، وأن حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن؛ إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه، وعدم المتابع، والشاهد من وجه معتبر، ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات، وموسى بن عبد العزيز، وإن كان صادقا صالحا، فلا يحتمل عنه هذا التفرد، وقد ضعفها ابن تيمية، والمزي، وتوقف الذهبي فيما حكاه عنهم ابن عبد الهادي في أحكامه، وقد اختلف كلام الشيخ النووي، فوهاها في شرح المهذب، فقال: حديثها ضعيف، وفي استحبابها نظر؛ لأن فيها تغييرا لهيئة الصلاة المعروفة، فينبغي أن لا تفعل، وليس حديثها بثابت، وقال في "تهذيب الأسماء واللغات": قد جاء في صلاة التسبيح حديث حسن في كتاب الترمذي، وغيره، وذكره المحاملي، وغيره من أصحابنا، وهي سنة حسنة، ومال في الأذكار أيضا إلى استحبابها؛ بل قواه، واحتج له. والله أعلم. اهـ .

قلت: وهذا تحقيق في الغاية، وما وراء عبادان قرية، على أنه سيأتي عند ذكر المصنف إياها في التطوعات تحقيق، وبيان لبعض طرقها، ومن رواها من طريق عكرمة، وأبي الجوزاء إن شاء الله تعالى .

(والأحسن أن يجعل) المريد (وقته) من الضحى العالي (إلى الزوال) ؛ أي: زوال الشمس من كبد السماء، والغاية داخلة هنا تحت المغيا (للصلاة، و) يجعل (بعد) صلاة (الجمعة إلى) أن يدخل وقت (العصر لاستماع العلم) ، ومدارسته، ومذاكرته، ومطالعته مع الإخوان تعليما، وتعلما (و) يجعل (بعده إلى) دخول وقت (المغرب للتسبيح، والاستغفار) ، والصلاة والسلام على النبي المختار -صلى الله عليه وسلم-، وإن تلا شيئا من القرآن، فهو أحسن، ولفظ القوت: وليترك راحته في ذلك اليوم، ومهنأه من عاجل حفظ دنياه، وليواصل الأوراد فيه، فيجعل أوله إلى انقضاء صلاة الجمعة للخدمة بالصلاة، وأوسطه إلى صلاة العصر لاستماع العلم، ومجالس الذكر، وآخره إلى غروب الشمس للتسبيح، والاستغفار، وكذلك كان المتقدمون يقسمون يوم الجمعة إلى هذه الأقسام الثلاثة. اهـ. والله أعلم .




الخدمات العلمية