الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1036 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ! رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة ، فسجدت ، فسجدت الشجرة لسجودي ، فسمعتها تقول : اللهم اكتب لي بها عندك أجرا ، وضع عني بها وزرا ، واجعلها لي عندك ذخرا ، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود . قال ابن عباس : فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدة ثم سجد ، فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة ، رواه الترمذي ، وابن ماجه ، إلا أنه لم يذكر : وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود ، وقال الترمذي : هذا حديث غريب .

التالي السابق


1036 - ( وعن ابن عباس قال : جاء رجل ) : قال ميرك : هو أبو سعيد الخدري كما جاء مصرحا به من روايته ، وقد أبعد من قال : إنه ملك من الملائكة ، قاله الشيخ الجزري في تصحيح المصابيح ، ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله رأيتني الليلة ) : أي : أبصرت ذاتي البارحة ( وأنا نائم ) : حال فاعل أو مفعول ، قال ابن حجر : رأى هنا قلبية ، ومن ثم اتحد فاعلها ومفعولها ; لأن ذلك من خواص أفعال القلوب اهـ .

وفيه أن العلم لا يناسب الرؤيا ، ولذا عبر عنه بقوله : ( كأني أصلي خلف شجرة ، فسجدت ) : يحتمل أن تكون السجدة صلاتية ، والأظهر أنها سجدة تلاوة ، وأن الآية آية ( ص ) ، ( فسجدت الشجرة لسجودي ، فسمعتها ) : أي : الشجرة ( تقول : اللهم اكتب لي ) : أي : أثبت لأجلي ( بها ) : أي : بسبب هذه السجدة أو بمقابلتها ، والضمير للسجدة المفهومة من سجدت ( عندك ) : ظرف لـ " اكتب " أي : حيث لا يتبدل ، أو المراد من فضلك ( أجرا ) : أي : عظيما ( وضع ) : أي : حط كما في نسخة ( عني بها وزرا ) ، أي : ذنبا ثقيلا جسيما ( واجعلها لي ) : أي : باعتبار ثوابها ( عندك ذخرا ) : أي : كنزا ضخيما ، قيل : ذخرا بمعنى : أجرا ، وكرر لأن مقام الدعاء يناسب الإطناب ، وقيل : الأول طلب كتابة الأجر ، وهذا طلب بقائه سالما من محبط أو مبطل ، وهذا هو الأظهر ، ( وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود ) : عبدا كريما ، وفيه إيماء إلى أن سجدة ( ص ) للتلاوة ، وقول ابن حجر : هو مسلم لو لم يعارضه ما هو صريح في أنها سجدة شكر مدفوع بعدم التنافي بين كونها سجدة تلاوة وسجدة شكر ؛ لما قررنا فيما سبق ، قال ابن الملك : يجوز كون القائل ملكا ، ويجوز أن الله تعالى خلق فيها نطقا ، كما في شجرة موسى - عليه الصلاة والسلام - قلت : حالة الرؤيا خيالية محتاجة إلى التعبير ، وليست محققة لتحتاج إلى التأويل .

[ ص: 818 ] ( قال ابن عباس : فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدة ) ، أي : آية سجدة مع ما قبلها أو ما بعدها ، والأظهر أنها آية ( ص ) ، أو سورة سجدة ، قال ابن حجر : يحتمل أنه قصدها ليبين مشروعية ما سمعه أبو سعيد بالفعل الذي هو أبلغ من القول ، وأن يكون وقعت قراءته اتفاقا ، فبين مشروعية ذلك فيها ، قلت : الاحتمال الثاني بعيد ، ويعارض الأول قول الشافعية لا يندب ولا يكره قراءة آية سجدة ليسجد في غير الصلاة ، ( ثم سجد ، فسمعته وهو يقول ) : وفي بعض النسخ المصححة : فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ سجدة ثم سجد فقال : ( مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة ) : قال ابن الملك : وهذا الدعاء مسنون في سجود التلاوة لقراءته - عليه السلام - .

قلت : لا سيما في سجدة ( ص ) ، ولعله - عليه السلام - أول الشجرة بذاته الأقدس ، والصحابي مقتد به ، وأن المقتدى به ينبغي أن يقول هذا القول ليقتدى به ، ولما كان نقل الصحابي رؤياه إليه سببا لسجوده - عليه السلام - رأى أنه سجد فسجدت الشجرة ، هذا مما خطر بالبال ، والله أعلم بالحال .

( رواه الترمذي ، وابن ماجه ) : قال ميرك : ولفظه : " اللهم احطط عني بها وزرا ، واكتب لي بها أجرا ، واجعلها لي عندك ذخرا " ، رواه ابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، وأقره الذهبي على تصحيحه ، ( إلا أنه ) ، أي : ابن ماجه ( لم يذكر : وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود ، وقال الترمذي : هذا حديث غريب ) : قال ابن حجر : لكن صححه الحاكم وحسنه غيره ، وبفرض ضعفه يعمل به لأنه من الفضائل ، قلت : قد سبق أن الغرابة لا تنافي الصحة والحسن ، فلا يلزم من كونه غريبا كونه ضعيفا .




الخدمات العلمية