الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          188 - فصل

                          [ تفسير قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فأبواه يهودانه ، وينصرانه ، ويمجسانه " . ]

                          وأما تفسيره قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فأبواه يهودانه ، وينصرانه ، ويمجسانه " إن أراد به مجرد الإلحاق في أحكام الدنيا دون تغيير الفطرة ، فهذا خلاف ما دل عليه الحديث : فإنه شبه تكفير الأطفال بجدع البهائم تشبيها للتغيير بالتغيير .

                          وأيضا ، فإنه ذكر هذا الحديث لما قتلوا أولاد المشركين ، ونهاهم عن قتلهم ، وقال : " أليس خياركم أولاد المشركين ؟ كل مولود يولد على الفطرة " ، فلو أراد أنه تابع لأبويه في الدنيا لكان هذا حجة لهم ، يقولون : [ ص: 1047 ] هم كفار كآبائهم ، فنقتلهم معهم ، وكون الصغير يتبع أباه في أحكام الدنيا هو لضرورة حياته في الدنيا ، فإنه لا بد له من مرب يربيه ، وإنما يربيه أبواه ، فكان تابعا لهما ضرورة ، ولهذا إذا سبي منفردا عنهما صار تابعا لهما عند جمهور العلماء ، وإن سبي معهما ، أو مع أحدهما ، أو ماتا ، أو أحدهما ، ففيه نزاع ذكرناه فيما مضى .

                          واحتج الفقهاء والأئمة بهذا الحديث ، ووجه الحجة منه أنه إذا ولد على الملة فإنما ينقله عنها الأبوان اللذان يغيرانه عن الفطرة ، فمتى سباه المسلمون منفردا عنهما لم يكن هناك من يغير دينه ، وهو مولود على الملة الحنيفية ، فيصير مسلما بالمقتضى السالم عن المعارض ، ولو كان الأبوان يجعلانه كافرا في نفس الأمر بدون تعليم ، وتلقين لكان الصبي المسبي بمنزلة البالغ الكافر ، ومعلوم أن الكافر البالغ إذا سباه المسلمون لم يصر مسلما ؛ لأنه صار كافرا حقيقة ، فلو كان الصبي التابع لأبويه كافرا حقيقة لم ينتقل عن الكفر بالسباء ، فعلم أنه كان يجري عليه حكم الكفر في الدنيا تبعا لأبويه ، لا لأنه صار كافرا في نفس الأمر .

                          يبين ذلك أنه لو سباه كفار ، ولم يكن معه أبواه لم يصر مسلما ، فهو هنا كافر في حكم الدنيا ، وإن لم يكن أبواه هوداه ، ونصراه ، ومجساه ، فعلم أن المراد بالحديث أن الأبوين يلقنانه الكفر ويعلمانه إياه .

                          وذكر الأبوين لأنهما الأصل العام الغالب في تربية الأطفال ، فإن كل طفل فلا بد له من أبوين ، وهما اللذان يربيانه مع بقائهما ، وقدرتهما ، ومما يبين ذلك قوله في الحديث الآخر : " كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب [ ص: 1048 ] عنه لسانه ، فإما شاكرا ، وإما كفورا " ، فجعله على الفطرة إلى أن يعقل ، ويميز ، فحينئذ يثبت له أحد الأمرين .

                          ولو كان كافرا في الباطن بكفر الأبوين لكان ذلك من حين يولد قبل أن يعرب عنه لسانه .

                          وكذلك قوله - في حديث عياض بن حمار فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى : " إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن لا يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا " - صريح في أنهم خلقوا على الحنيفية ، وأن الشياطين اجتالتهم ، وحرمت عليهم الحلال وأمرتهم بالشرك .

                          فلو كان الطفل يصير كافرا في نفس الأمر من حين يولد ، لكونه يتبع أبويه في الدين ، قبل أن يعلمه أحد الكفر ويلقنه إياه لم يكن الشياطين هم الذين غيروهم عن الحنيفية ، وأمروهم بالشرك ، بل كانوا مشركين من حين ولدوا ، تبعا لآبائهم .

                          ومنشأ الاشتباه في هذه المسألة اشتباه أحكام الكفر في الدنيا بأحكام الكفر في الآخرة : فإن أولاد الكفار لما كانت تجري عليهم أحكام الكفر في أمور الدنيا مثل ثبوت الولاية عليهم لآبائهم ، وحضانة آبائهم لهم ، وتمكين آبائهم من تعليمهم ، وتأديبهم ، والموارثة بينهم ، وبين آبائهم ، واسترقاقهم إذا كان آباؤهم محاربين ، وغير ذلك ، صار يظن من يظن أنهم كفار في نفس الأمر كالذي تكلم بالكفر ، وأراده ، وعمل به .

                          [ ص: 1049 ] ومن هنا قال من قال : إن هذا الحديث كان قبل أن تنزل الأحكام كما قاله محمد بن الحسن ، وقد رد عليه هذا القول غير واحد من الأئمة ، فمنهم محمد بن نصر قال في كتاب " الرد على ابن قتيبة " : وأما ما حكاه أبو عبيد ، عن ابن الحسن أنه سأله عن تفسير " كل مولود يولد على الفطرة " ، فقال : كان هذا في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض ويؤمر بالجهاد ، فإن هذا رجل سئل عما لم يحسنه فلم يدر ما يجيب فيه ، وأنف أن يقول : لا أدري ، فأجابه عن غير ما سأله عنه ، فادعى أنه منسوخ ، وإنما سأله أبو عبيد عن تفسير الحديث ، ولم يسأله أناسخ هو أو منسوخ ، فكان الذي يجب عليه أن يفسر الحديث أولا إن كان يحسن تفسيرا ، فيكون قد أجابه عما سأله ، ثم يخبر أنه منسوخ ، والذي ادعاه في هذا أنه منسوخ غير جائز ؛ لأن من أخبر عن شيء ثم أخبر عنه بخلاف ذلك كان مكذبا لنفسه ، وذلك غير جائز على الله تعالى ، ولا على رسوله - صلى الله عليه وسلم - لأن من قال : " سمعت كذا ، أو رأيت كذا " ، ثم قال بعد : لم يكن ما أخبرت أني سمعته ورأيته ، أو أخبر أن شيئا سيكون ، ثم أخبر أنه لا يكون فقد أكذب نفسه فيما أخبر ، ودل على أنه أخبر بما لا يعلمه ، أو تعمد الكذب ، أو قال بالظن ، وكان جاهلا ، ثم رجع عن ظنه .

                          ولا يعلم أحد يجوز الناسخ في أخبار الله غير صنف من الروافض يصفونه بالبداء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ! فلم يزل الله سبحانه عالما [ ص: 1050 ] بما يكون ، ومريدا لما علم أنه سيكون ، لم يستحدث علما لم يكن ، ولا إرادة لم تكن ، فإذا أخبر عن شيء أنه كائن فغير جائز أن يخبر أبدا عن ذلك الشيء أنه لا يكون ؛ لأنه لم يخبر أنه كائن إلا وقد علم أنه كائن ، وأراد أن يكون ، وهو الفاعل لما يريد العالم بعواقب الأمور ، لا تبدو له البدوات ، ولا تحل به الحوادث ، ولا تعتقبه الزيادة والنقصان ، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كل مولود يولد على الفطرة " خبر منه عن كل مولود أنه يولد على الفطرة ، فغير جائز أن يخبر أبدا بخلاف ذلك فيقول : إن كل مولود يولد على غير الفطرة .

                          قال : وتفسير الحديث يدل على خلاف ما قال ابن الحسن : قال الأسود بن سريع : غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقتل الناس يومئذ حتى قتلت الذرية ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كل مولود يولد على الفطرة " ، فأخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في غزوة : " كل مولود يولد على الفطرة " ، فأبان أن هذا القول كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الأمر بالجهاد ، وزعم محمد بن الحسن أن هذا القول كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يؤمر المسلمون بالجهاد ، فخالف الخبر .

                          [ ص: 1051 ] والراوي لهذا الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة والأسود بن سريع ، وسمرة ، وكل هؤلاء لم يدرك أول الإسلام : أسلم أبو هريرة قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو من ثلاث سنين ، أو أربع ، وكذلك الأسود بن سريع ، وسمرة لم يدرك أول الإسلام . فقوله : " كان هذا في أول الإسلام " باطل ، انتهى كلامه .

                          [ ص: 1052 ] قال شيخنا : فإذا عرف أن كونهم ولدوا على الفطرة لا ينافي أن يكونوا تبعا لآبائهم في أحكام الدنيا زالت الشبهة .

                          قال : وقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن في الباطن يكتم إيمانه فيقتله المسلمون ، ولا يصلون عليه ، ويدفن في مقابر الكفار وتربة الكفار ، وهو في الآخرة من أهل الجنة ، كما أن المنافقين تجري عليهم في الدنيا أحكام المسلمين ، وهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار ، فحكم الدار الآخرة غير حكم دار الدنيا .

                          وقوله : " كل مولود يولد على الفطرة " إنما أراد به الإخبار بالحقيقة التي خلقوا عليها ، وعليها الثواب في الآخرة إذا عمل بموجبها وسلمت عن المعارض ، لم يرد به الإخبار بأحكام الدنيا ، فإنه قد علم بالاضطرار من شرع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أولاد الكفار يكونون تبعا لآبائهم في أحكام الدنيا ، وأن أولادهم لا ينزعون منهم إذا كان للآباء ذمة ، وإن كانوا محاربين استرقت أولادهم ، ولم يكونوا كأولاد المسلمين .

                          ولا نزاع بين المسلمين أن أولاد الكفار الأحياء مع آبائهم ، لكن تنازعوا في الطفل إذا مات أبواه ، أو أحدهما هل نحكم بإسلامه ؟

                          قلت : وفيه عن أحمد ثلاث روايات منصوصات :

                          [ ص: 1053 ] إحداها : أنه يصير مسلما واحتج بالحديث .

                          والثانية : لا يصير بذلك مسلما ، وهي قول الجمهور ، واختيار شيخنا .

                          والثالثة : إن كفله المسلمون كان مسلما ، وإلا فلا ، وهي الرواية التي اخترناها ، وذكرنا لفظ أحمد ، ونصه فيها .

                          واحتج شيخنا على " أنه لا نحكم بإسلامه " بأنه إجماع قديم من السلف والخلف .

                          قال : وهو ثابت بالسنة التي لا ريب فيها ، فقد علم أن أهل الذمة كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، ووادي القرى ، وخيبر ، ونجران ، وأرض اليمن ، وغير ذلك ، وكان فيهم من يموت ، وله ولد صغير ، ولم يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلام يتامى أهل الذمة ، وكذلك خلفاؤه كان أهل الذمة في زمانهم طبق الأرض بالشام ، ومصر والعراق ، وخراسان ، وفيهم من يتامى أهل الذمة عدد كثير ، ولم يحكموا بإسلام أحد منهم ، فإن عقد الذمة اقتضى أن يتولى بعضهم بعضا ، فهم يتولون حضانة يتاماهم كما كان الأبوان يتوليان حضانة أولادهما ، وأحمد يقول : إن الذمي إذا مات ورثه ابنه الطفل ، مع قوله في إحدى [ ص: 1054 ] الروايات : إنه يصير مسلما ؛ لأن أهل الذمة ما زال أولادهم يرثونهم ، ولأن الإسلام حصل مع استحقاق الإرث ولم يحصل قبله .

                          قال في " المحرر " : ويرث من جعلناه مسلما بموته ، حتى لو تصور موتهما - يعني الأبوين - معا لورثهما : نص عليه في رواية أبي طالب ، ولفظ النص : في يهودي ، أو نصراني مات وله ولد صغير فهو مسلم ، إذا مات أبواه ، ورث أبويه .

                          وفيه رواية مخرجة : أنه لا يرث ؛ لأن المانع من الميراث - وهو اختلاف الدين - قارن سببه الحكم : وهو الموت .

                          قال شيخنا : هذا مبني على أصل : وهو أن الأهلية ، والمحلية هل يشترط تقدمهما على الحكم ، أو تكفي مقارنتهما ؟ فيها قولان في المذهب أشهرهما الثاني . والأول مذهب الشافعي ، وهنا اختلاف الدين مانع ، فهل يشترط في كونه مانعا ثبوته قبل الحكم ، أو تكفي المقارنة ؟ فهنا قد اشترط التقدم كما ذكر في كتاب " البيوع " فيما إذا باع عبده شيئا ، أو كاتبه في صفقة واحدة أنه يصح البيع ، وفي الكتابة وجهان اتباعا لأبي الخطاب والقاضي في " المجرد " والصحيح صحة الكتابة كما قال في " الجامع الكبير " ، وغيره ، [ ص: 1055 ] فإن المانع أقوى ، فإن ثبوت الحكم في حال وجود مانعه بعيد ، إلا أن يقال : إن من أصل أحمد أنه لو أسلم بعد الموت ، وقبل قسمة التركة استحق الميراث ، فكيف يجعل الإسلام مانعا وهو لو أسلم بعد موت قريبه الكافر لم يمنع الميراث ؟ ولأن الولاية بين الأب ، وابنه كانت ثابتة إلى حين الموت ، وما يحدث بعد الموت لا عبرة به .

                          قال القاضي في ضمن المسألة : واحتج بعين المنازع فيه : بأن الحكم بإسلامه يوجب توريث المسلم من الكافر ؛ لأن له عندكم أن يرث الميت منهما ، وهذا لا يجوز لأن ثبوت الميراث - مع اختلاف الدين - أوجبه الموت ، فهما يلتقيان في زمان واحد ، فلا يصح اجتماعهما ، كما لو قال لعبده : إذا مات أبوك فأنت حر ، فلما اجتمع الميراث ، والحرية في زمان واحد - وهو ما بعد الموت - لم يرث كذلك هاهنا .

                          قال : والجواب أن هذا يبطل بالوصية لأم ولده ، فإن الوصية تستحق بالموت ، ومع هذا فإنهما يجتمعان فتحصل الحرية وتصح بالوصية .

                          قال : وجواب آخر : وهو أنه - وإن كانا يلتقيان في زمان واحد - إلا أن حقه ثابت في ماله إلى حين الوفاة ، واختلاف الدين ليس معينا من جهة الوارث ، فلا يسقط حقه في الميراث : كالطلاق في المرض ، ويفارق العبد لأنه لا حق له في الميراث ، فلهذا إذا التقيا بعد الموت لم يرث .

                          وجواب آخر : أنه لا يمتنع أن يحصل الميراث قبل اختلاف الدين ، كما قال الجميع في رجل مات ، وترك ابنين ، وألف درهم ، وعليه دين ألف درهم : إنهما لا يرثان الألف ، ولو مات أحد الابنين ، وترك ابنا ثم أبرا الغريم ، أخذ ابن الميت حصته بميراثه عن أبيه ، وإن لم يكن مالكا له حين الموت ، لكن جعل [ ص: 1056 ] في حكم من كان مالكا لتقدم سببه .

                          قال شيخنا : أما مسألة الحرية فإنها تصلح أن تكون حجة للقاضي لا حجة عليه ؛ لأن الحرية شرط كما أن الكفر مانع ، وكما أن مقارنة الشرط لا تؤثر ولا تفيد فيها فكذلك مقارنة المانع .

                          وهكذا كان القاضي قد نقض عليهم بهذه الصورة ، أولا ذكرها في جوابه ، وهذا جيد ، ثم ذكرها في حجتهم مع أن هذه الصورة فيها نظر ، فإن مقارنة المانع حدثت قبل انتقال الإرث إلى غيره .

                          قلت : وهذا من أصح شيء ؛ لأن النسب علة الإرث ، ولكن منع من إعمال النسب مانع الرق ، ثم زال المانع قبل انتقال الإرث إلى غير الولد ، فلو منعناه الإرث لعطلنا إعمال النسب في مقتضاه مع أنه لا مانع له حين اقتضائه ، فإن النسب اقتضى حكمه بالموت ، وهو في هذه الحال لا مانع له ، وهذا ظاهر جدا .

                          قال القاضي : فإن قيل : فقد قال أحمد في رواية محمد بن يحيى الكحال ، وجعفر بن محمد - واللفظ له - في نصراني مات ، وله امرأة نصرانية حبلى ، فأسلمت بعد موته ثم ولدت : لا يرث الولد ، إنما مات أبوه ، وهو لا يعلم ما هو ، وإنما يرث في الولادة ، ويحكم له بالإسلام .

                          فظاهر هذا أنه حكم بإسلامه ، ولم يحكم بالميراث .

                          قيل : يحتمل أن يخرج من هذا رواية : أنا نحكم بإسلامه ولا نحكم [ ص: 1057 ] له بالميراث ، وهو القياس لئلا يرث مسلم من كافر ، ويحتمل أن يفرق بينهما : فإذا مات أحدهما - وهو مولود - حكم بإسلامه ، وورثه ، وإن كان حملا حكم بإسلامه ، ولم يرثه ، وهو ظاهر تعليل أحمد ؛ لأنه قال : إنما مات أبوه ، وهو لا يعلم ما هو ؛ لأنه إذا أسلمت الأم فالمانع قوي ؛ لأنه مجمع عليه ، وإذا مات الأب فهو ضعيف ؛ لأنه مختلف فيه .

                          قلت : هذه الرواية لا تعارض نصه على الميراث في المسألة المتقدمة ؛ لأن الميراث إنما يثبت بالوضع ، والإسلام قد تقدم عليه ، وأنه ثبت له حكم الإسلام بسببين : متفق عليه ، ومختلف فيه ، وكلاهما سابق على سبب الإرث ، فوجد سبب الإرث بعد سبق الإسلام ، وفي مسألتنا وجد الإرث والإسلام معا ، لاتحاد سببهما .

                          قلت : ما ذكره شيخنا إنما يدل على أن الطفل إذا كفله أقاربه من أهل الذمة فهو على دينهم ، ولا يدل على أنه لا نحكم بإسلامه إذا كفله المسلمون .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية