الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1038 - وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في ( ص ) ، وقال : " سجدها داود توبة ، ونسجدها شكرا " ، رواه النسائي .

التالي السابق


1038 - ( وعن ابن عباس قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في ( ص ) : أي : في سورتها مكان سجدتها وهو ( حسن مآب ) على الصواب ، ( وقال : " سجدها داود توبة ونسجدها شكرا " ) : للاقتداء بالأنبياء ، وقال ابن حجر : أي شكرا منا على قبول توبته ; لأن الأنبياء عليهم السلام كرجل واحد ، فالنعمة على أحدهم نعمة على الكل ، قال الطيبي : لما كان - عليه السلام - مأمورا بالاقتداء بهدي الأنبياء السالفة ليستكمل بجميع فضائلهم ، وهي نعمة عظيمة فيجب عليه الشكر بذلك ، قلت : لكن لا يلزم من كونه شكرا أن لا يكون سجدة تلاوة ، لأنها لا شك أنها تتعلق بقراءة تلك الآية أو سماعها ، وتقع السجدة عند ثبوتهما ، وهذا معنى : سجدة التلاوة ، سواء يكون السبب فيها أمرا أو شكرا أو غير ذلك ، قال المحقق ابن الهمام : غاية ما فيه أنه بين السبب في حق داود ، والسبب في حقنا ، وكونه للشكر لا ينافي الوجوب ، فكل الفرائض والواجبات إنما وجبت شكرا لتوالي النعم اهـ .

ويؤيده أنه - عليه السلام - كان يصلي بالليل حتى تورمت قدماه ، فقيل له : أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أكون عبدا شكورا " ( رواه النسائي ) ، قال ابن حجر : وصححه ابن السكن بل قال ابن كثير : إن رجاله على شرط البخاري ، ثم قال ابن حجر : وضح أنه - عليه السلام - قرأ ( ص ) على المنبر ، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه ، ثم قرأها في يوم آخر ، فلما رآهم تهيئوا للسجود قال : " إنما هي توبة نبي ، ولكني رأيتكم تهيأتم للسجود " فنزل وسجد وسجدوا معه ، ومن هذين الحديثين أخذ الشافعي أنها تطلب للشكر على قبول توبة داود لا للتلاوة ، وإنما التلاوة سبب لتذكر قبول توبته ، واعترض بأن سجدة الشكر تختص عنده بهجوم نعمة أو اندفاع نقمة .

قلت : حديث قراءته ( ص ) على المنبر يوافق حديث قراءته ( النحل ) ، بل آكد فإنه لم يسجد في النحل ثانيا ، وقوله : " إنما هي توبة نبي " بيان لسبب السجود ، فإن بقية الآيات التي فيها السجدة إما أمر بها ، أو ذم عن إبائها ، أو مدح لفاعليها ، فبين أن هذه السجدة إنما هي توبة نبي ، يعني : أنه ممدوح بها ، فينبغي أن نتبعه فيها ، بل هي آكد من غيرها من حيثية المتابعة الواردة في الاقتداء بسير الأنبياء .




الخدمات العلمية