الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2298 [ 1157 ] وعن أنس بن مالك ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى منى ، فأتى الجمرة ، فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: "خذ" وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس.

                                                                                              وفي رواية : فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة، والشعرتين بين الناس، ثم قال: بالأيسر فصنع مثل ذلك، ثم قال: "هاهنا أبو طلحة؟" فدفعه إلى أبي طلحة .

                                                                                              وفي أخرى: لما حلق شقه الأيمن دعا أبا طلحة الأنصاري ، وأعطاه إياه، ثم ناول الحالق الشق الأيسر ، فقال: "احلق" فحلقه ، فأعطاه أبا طلحة ، فقال: "اقسمه بين الناس" .

                                                                                              وفي أخرى : أنه عليه الصلاة والسلام قسم شعر الجانب الأيمن بين الناس وشعر الأيسر أعطاه أم سليم .


                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 111 )، ومسلم ( 1305) ( 323 و 324 و 326)، وأبو داود (1982)، والترمذي (912)، والنسائي في الكبرى (4116).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقول أنس : (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى الجمرة فرماها ، ثم أتى منزله بمنى ، ونحر ، وحلق) ; هذا يدل على أن من رمى جمرة العقبة حصل له تحلل ; لأنه بعد أن رمى حلق ، وهذا لا خلاف فيه في الجملة ، لكن اختلفوا في ماذا يستحل من محظورات الإحرام :

                                                                                              فقال أبو ثور : يتم تحلل الحاج من كل شيء إلا النساء برمي جمرة العقبة . وقال الشافعي وأصحاب الرأي ، وجماعة من العلماء : بل حتى يحلق . وذهب مالك إلى أن الذي يحل له برمي جمرة العقبة كل شيء إلا النساء ، والطيب ، والصيد . واختلف قوله إذا تطيب بعد الجمرة ، وقبل الإفاضة ; هل يجب عليه دم أو لا ؟ وروي عن عمر : أنه يحل له كل شيء إلا النساء والطيب . وعن عطاء : إلا النساء والصيد . ولا خلاف في أنه لا يحل النساء ، ولا الصيد بعد الجمرة ، وأنه يحل له جميع محظورات الإحرام بعد الإفاضة . وتعديد ما يحرم على المحرم مفصل في كتب الفقه .

                                                                                              وقوله للحلاق : ( خذ ) وأشار إلى جانبه الأيمن ; هذا على عادته - صلى الله عليه وسلم - في [ ص: 407 ] الابتداء باليمين في أفعاله ; فإنه كان يحب التيمن في شأنه كله . وتوزيعه شعره على الناس حرصا منه على تشريكهم في التبرك به ، وفي ثوابه .

                                                                                              وقوله : ( فوزعه : الشعرة والشعرتين بين الناس ) ; ليس بمخالف لقوله في الرواية الأخرى لأبي طلحة : ( اقسمه بين الناس ) ; فإنه لما أمر بتوزيعه أبا طلحة صح أن يضاف التوزيع له. كما يقال : إنه - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعزا ، وقطع يد السارق في مجن ; أي : أمر بذلك .

                                                                                              وقوله : ( لما حلق شعر رأسه الأيمن أعطاه أبا طلحة ) ; ليس مناقضا لما في الرواية الثانية : أنه قسم شعر الجانب الأيمن بين الناس ، وشعر الأيسر أعطاه أم سليم - وهي امرأة أبي طلحة ، وهي أم أنس - ويحصل من مجموع هذه الروايات : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حلق الشق الأيمن ناوله أبا طلحة ليقسمه بين الناس ، ففعل أبو طلحة ، وناول شعر الشق الأيسر لأم سليم ليكون عند أبي طلحة ، فصحت نسبة كل ذلك إلى من نسب إليه على ما قررناه ، والله أعلم .

                                                                                              وهذا أولى من أن نقدر تناقضا واضطرابا . والحمد لله .




                                                                                              الخدمات العلمية