الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 132 ] الأدب الثاني : إذا أراد الخروج إلى بلد قضائه ، سأل عن حال من فيه العدول والعلماء ، فإن لم يتيسر ، سأل في الطريق حتى يدخل على علم بحال البلد ، فإن لم يتيسر ، سأل حين يدخل ، ويستحب أن يدخل يوم الاثنين .

                                                                                                                                                                        قلت : قال الأصحاب : فإن تعسر يوم الاثنين فالخميس ، وإلا فالسبت ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأن يكون عليه عمامة سوداء ، فقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء ، وأن ينزل في وسط البلد أو الناحية ، لئلا يطول الطريق على بعضهم ، وإذا دخل ، فإن رأى أن يشتغل في الحال بقراءة العهد ، فعل ، وإن رأى أن ينزل منزله ، ويأمر مناديا ينادي يوما فأكثر أو أقل على حسب صغر البلد أو كبره أن فلانا جاء قاضيا ، وأنه يخرج يوم كذا لقراءة العهد ، فمن أحب ، فليحضر ، فإذا اجتمعوا ، قرأ عليهم العهد ، وإن كان معه شهود شهدوا ، ثم ينصرف إلى منزله ، ويستحضر الناس ، ويسألهم عن الشهود والمزكين سرا وعلانية .

                                                                                                                                                                        قال الأصحاب : ويتسلم ديوان الحكم وهو ما كان عند القاضي قبله من المحاضر والسجلات ، وحجج الأيتام والأوقاف ، وحجج غيرهم المودعة في الديوان ، لأنها كانت في يد الأول بحكم الولاية ، وقد انتقلت الولاية إليه ، ثم إذا أراد النظر في الأمور نظر أولا في المحبوسين هل يستحقونه أم لا ؟ ويأمر قبل أن يجلس للنظر فيهم من ينادي يوما فأكثر على حسب الحاجة أن القاضي ينظر في المحبوسين يوم كذا ، فمن له محبوس ، فليحضر ، ويبعث إلى الحبس أمينا ليكتب اسم كل محبوس وما حبس به ، ومن حبس له في رقعة .

                                                                                                                                                                        وذكر القاضي أبو الطيب أنه يبعث أمينين وهو أحوط . فإذا جلس في اليوم الموعود ، وحضر الناس ، صبت الرقاع بين يديه ، فيأخذ رقعة [ ص: 133 ] وينظر في الاسم المثبت فيها ، ويسأل عن خصمه فمن قال : أنا خصمه بعث معه ثقة إلى الحبس ليأخذ بيده ويحضره ، وهكذا يحضر من المحبوسين من يعرف أن المجلس يحتمل النظر في أمرهم وفي " أمالي " السرخسي أنه يقرع بينهم للابتداء .

                                                                                                                                                                        وإذا اجتمع عنده المحبوس وخصمه ، سأل المحبوس عن سبب حبسه ، وجوابه يفرض على وجوه ، منها أن يعترف أنه حبس بحق ، فإن كان ما حبس به مالا ، أمر بأدائه ، فإن قال : أنا معسر ، فعلى ما سبق في التفليس ، فإن لم يؤد ولم يثبت إعساره ، رد إلى الحبس ، وإن أدى أو ثبت إعساره نودي عليه ، فلعل له خصما آخر ، فإن لم يحضر أحد خلي ، وإن كان ما حبس به حدا ، أقيم عليه ، وخلي كما ذكرناه .

                                                                                                                                                                        ومنها أن يقول : شهدت على بينة ، فحبسني القاضي ليبحث عن حال الشهود ، ففي جواز الحبس بهذا السبب خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى ، فإن قلنا : لا يحبس به ، أطلقه ، وإلا رده ، وبحث عن حال الشهود ، ومنها أن يقول : حبست بخمر أو كلب أتلفته على ذمي ، وهذا القاضي لا يعتقد التغريم بذلك ، فالأظهر أنه يمضيه ، والثاني : يتوقف ، ويسعى في اصطلاحهما على شيء .

                                                                                                                                                                        ومنها أن يقول : حبست ظلما ، فإن كان الخصم معه ، فعلى الخصم البينة ، ويصدق المحبوس بيمينه ، فإن ذكر خصما غائبا ، فقيل : يطلق قطعا ، والأصح أنه على وجهين ، فإن قلنا : لا يطلق حبس ، أو يؤخذ منه كفيل ، ويكتب إلى خصمه في الحضور ، فإن لم يفعل ، أطلق حينئذ ، وإن قال : لا خصم لي أصلا ، أو قال : لا أدري فيم حبست ، نودي عليه لطلب الخصم ، فإن لم يحضر أحد ، حلف وأطلق قال في " الوسيط " : وفي مدة المناداة لا يحبس ، ولا يخلى بالكلية ، بل يرتقب ، وحيث أطلق الذي ادعى أنه مظلوم لا يطالب بكفيل على الأصح .

                                                                                                                                                                        [ ص: 134 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو كان قد حبسه الأول تعزيرا قال الغزالي : أطلقه الثاني ، ولم يتعرض الجمهور لهذا ، فإن بانت جنايته عند الثاني ، ورأى إدامة حبسه ، فالقياس الجواز .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        فإذا فرغ من المحبوسين ، نظر في الأوصياء ، فإذا حضر من ادعى أنه وصي ، بحث الحاكم عن شيئين أحدهما أصل الوصاية ، فإن أقام بينة أن القاضي المعزول نفذ وصايته ، وأطلق تصرفه ، قرره ، ولم يعزله إلا أن يطرأ فسقه ونحوه وينعزل ، فينزع المال منه ، وإن شك في عدالته فوجهان ، قال الإصطخري : يقر المال في يده ؛ لأن الظاهر الأمانة ، وقال أبو إسحاق : ينتزعه حتى تثبت عدالته ، وإن وجده ضعيفا ، أو كان المال كثيرا لا يمكنه القيام بحفظه ، والتصرف فيه ، ضم إليه من يعينه ، والثاني تصرفه في المال ، فإن قال : فرقت ما أوصى به ، نظر إن كانت الوصية لمعينين ، لم يتعرض له ، لأنهم يطالبون إن لم يكن وصلهم ، وإن كانت لجهة عامة ، فإن كان عدلا أمضى تصرفه ولم يضمنه ، وإن كان فاسقا ، ضمنه لتعديه بالتفريق بغير ولاية صحيحة ، ولو فرق الثلث الموصى به غير الوصي خوفا عليه من أن يضيع ، نظر إن كانت الوصاية لمعينين ، وقع الموقع ؛ لأن لهم أن يأخذوه بلا واسطة ، وإلا فيضمن على الأصح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ثم بعد الأوصياء ينظر في أمناء القاضي المنصوبين على الأطفال [ ص: 135 ] ، وتفرقة الوصايا ، فمن تغير حاله بفسق أو غيره ، فعلى ما ذكرناه في الأوصياء ومن لم يتغير حاله ، أقره ، قال الروياني : وله أن يعزله ويولي غيره بخلاف الأوصياء ؛ لأن الأمين يولى من جهة القاضي بخلاف الوصي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ثم ينظر في الأوقاف العامة والمتولين لها ، وفي اللقط والضوال ، فما لا يجوز تملكه للملتقط ، أو يجوز ولم يختر تملكه بعد الحول ، حفظه على صاحبه ، أو باعه وحفظ ثمنه لمصلحة المالك ، وله أن يحفظ هذه الأموال معزولة عن أمثالها في بيت المال ، وله أن يخلطها بمثلها فإذا ظهر المالك ، غرم له من بيت المال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ليقدم من كل نوع من ذلك الأهم فالأهم ، وإن عرضت حادثة وهو مشغول بهذه المهمات استخلف من ينظر في تلك الحالة أو فيما هو فيه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية