الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) تجوز الإجازة ( لطفل ، ومجنون وغائب وكافر ) ليروي الطفل ما أجيز به إذا بلغ ، والمجنون إذا عقل ، والكافر إذا أسلم . وقد وقعت مسألة الكافر في زمن الحافظ أبي الحجاج المزي بدمشق . وكان طبيبا سمي بعد إسلامه محمدا . وكان أبوه يسمى عبد السيد - يسمع الحديث وهو يهودي على أبي عبد الله محمد بن عبد الله الصوري . وكتب اسمه في طبقات السماع مع الناس ، وأجاز ابن عبد المؤمن لمن سمعه ، وهو من جملتهم ، وكان السماع والإجازة بحضرة المزي الحافظ ، وبعض السماع بقراءته ولم ينكره . ثم هدى الله اليهودي إلى الإسلام . وحدث بما أجيز له . وتحمل الطلاب عنه . قال الحافظ عبد الرحيم العراقي [ ص: 304 ] ورأيته ولم أسمع منه ( لا ) ل ( معدوم ) فلا تصح الإجازة له ( مطلقا ) لا بالأصالة كأجزت لمن يولد لك ، ولا بالتبعية ، كأجزت لك ولمن يولد لك في ظاهر كلام جماعة من أصحابنا . وقاله غيرهم . لأنها محادثة أو إذن في الرواية ، بخلاف الوقف على من سيولد تبعا لمن ولد . وأجازها أبو بكر بن أبي داود من أصحابنا . فإنه لما سأله إنسان الإجازة . قال : قد أجزت لك ولأولادك ، ولحبل الحبلة ، يعني لمن يولد بعد ( ولا تصح ) أيضا إجازة ( لمجهول ) كأجزت لرجل من الناس ( ولا بمجهول ) كأجزت لك أن تروي عني بعضا من مروياتي ، وجوز القاضي أبو يعلى وابن عمروس المالكي : أجزت لمن شاء فلان . والصحيح : خلاف ذلك ، وهو عدم الصحة في ذلك لما فيه من الجهالة والتعليق . أما لو استجيز لمن سمي ونسب له . فلا يقدح في صحة الإجازة جهله بشخصه ، كما لا يقدح عدم معرفته بمن هو حاضر يسمعه بشخصه ( ولا ) تصح إجازة ب ( ما لم يتحمله ) المجيز ( ليرويه عنه ) المجاز ( إذا تحمله ) المجيز . قال القاضي عياض : لم أرهم تكلموا عليه . ورأيت بعض العصريين يفعله . لكن قال عبد الملك الطبني : كنت عند القاضي أبي الوليد يونس بقرطبة فسأله إنسان الإجازة بما رواه وما يرويه بعد ، فلم يجبه فغضب . فقلت : يا هذا يعطيك ما لم يأخذ ؟ فقال أبو الوليد : هذا جوابي . قال القاضي عياض : وهو الصحيح . وصححه صاحب التحرير تبعا له ، وهو ظاهر لما فيه من التعليق ( ويقول ) مجاز له حيث صحت الإجازة ( أجاز لي ) فلان ، أو أجاز لنا باتفاق على جواز ذلك ; لأنه إخبار بالحال على وجهه ( ويجوز ) أن يقول ( حدثني وأخبرني إجازة ) وحدثنا وأخبرنا إجازة عند أصحابنا وأكثر العلماء ، ومنع قوم " حدثنا " دون " أخبرنا " قال البرماوي : وجوز أبو نعيم وأبو عبد الله المرزباني أن يقول : أخبرنا دون حدثنا ( لا إطلاقهما ) أي لا يجوز أن يطلق حدثني وأخبرني من غير أن يقول إجازة ( فيهن ) أي في جميع صور الرواية بالإجازة اللاتي تقدم ذكرهن ، لما في ذلك من إيهام كون الرواية بالتحديث [ ص: 305 ] على الحقيقة ; لأنها الأصل المتبادر الفهم إليه ( ولا تجوز رواية بوصية بكتبه ) وقيل : بلى . قال أيوب لمحمد بن سيرين : إن فلانا أوصى إلي بكتبه ، أفأحدث بها عنه ؟ قال : نعم ، ثم قال لي بعد ذلك : لا آمرك ولا أنهاك . قال حماد : وكان أبو قلابة قال : ادفعوا كتبي إلى أيوب إن كان حيا وإلا فأحرقوها ، وعلل ذلك القاضي عياض بأنه نوع من الإذن . قال ابن الصلاح : وهذا بعيد جدا ، وهو إما زلة عالم ، أو مؤول على أنه أراد أن يكون ذلك على سبيل الوجادة ، وأنكر عليهابن أبي الدم ذلك . وقال : الوصية أرفع رتبة من الوجادة بلا خلاف ، وهي معمول بها عند الشافعي وغيره . انتهى ( ولا ) تجوز الرواية أيضا ( بوجادة ) بكسر الواو ، مصدر مولد لوجد . فإن مادة وجد متحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر بحسب اختلاف المعاني . فيقال في الغضب : موجدة ، وفي المطلوب وجودا ، وفي الضالة وجدانا - بكسر الواو - وفي الحب وجدا - بالفتح وفي المال وجدانا - بالضم - وفي الغنى جدة - بالكسر وتخفيف الدال المفتوحة ، وإجدانا - بكسر الهمزة ( وهي ) أي الوجادة في اصطلاح المحدثين ( وجدانه ) أي الراوي ( شيئا ) من الأحاديث مكتوبا ( بخط الشيخ ) الذي يعرفه ويثق بأنه خطه ، حيا كان الكاتب أو ميتا على الصحيح ( ويقول ) إذا أراد الإخبار بذلك ( وجدت بخط فلان ) كذا ، وإن لم يثق بأنه خطه فيقول : وجدت ما ذكر لي أنه خط فلان كذا ، ولا يقول : حدثنا ولا أخبرنا ، خلافا لمن جازف في إطلاق ذلك ( ولا ) تجوز الرواية أيضا ( بمجرد قول الشيخ : سمعت كذا ، أو هذا سماعي ) ، ( أو ) هذا روايتي ، أو هذا خطي . أما إذا قال عن فلان ، فقال ابن الصلاح : إنه تدليس قبيح إذا كان يوهم سماعه منه ( ويعمل ) وجوبا ( بما ظن صحته من ذلك ) أي : مما قلنا : إنه لا تجوز له روايته عند أصحابنا والشافعية ، يعني أنه لا يتوقف وجوب العمل على جواز الرواية . وذلك لعمل الصحابة بكتبه صلى الله عليه وسلم . قال ابن العراقي في شرح جمع الجوامع : قاله الشافعي ونظار أصحابه ونصره الجويني . واختاره جمع من المحققين . قال ابن الصلاح [ ص: 306 ] وهو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة . قال النووي : وهو الصحيح .

وهذا قول أصحابنا . وقيل : لا يجب العمل به . قال القاضي عياض : أكثر المحدثين ، والفقهاء من المالكية وغيرهم : لا يرون العمل به . انتهى . ومحل الخلاف إذا لم تخالفه صحيحة . فإن الاعتماد يكون عليها دون غيرها ( ومن رأى سماعه ولم يذكره فله روايته والعمل به إذا ظنه خطه ) فيكتفي بالظن على الصحيح عند أكثر أصحابنا . وقال المجد ، وفاقا للشافعي وأبي يوسف ومحمد : لا يعمل به إلا إذا تحقق أنه خطه . وقال أبو حنيفة : لا يجوز العمل به حتى يذكر سماعه . وجه الأول : أن غالب الأحكام مبناها على الظن . قال ابن مفلح : ولهذا قيل لأحمد : فإن أعاره من لم يثق به ؟ فقال : كل ذلك أرجو . فإن الزيادة في الحديث لا تكاد تخفى ; لأن الأخبار مبنية على حسن الظن وغلبته .

التالي السابق


الخدمات العلمية