الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الرخصة

                                                      وأما الرخصة فهي لغة : اليسر والسهولة ، ومنه رخص السعر إذا تراجع وسهل الشراء ، وفيها لغات ثلاث : رخصة بضم الراء والخاء ، ورخصة بإسكان الخاء ، فيجوز أن تكون مخففة من الأولى ، ويجوز أن تكون كل واحدة أصلا بنفسها ، والثالثة : خرصة بتقديم الخاء حكاها الفارابي ، والظاهر : أنها مقلوبة من الأولى ، وقد اشتهر على ألسن الناس فتح الخاء ولا يشهد له سماع ولا قياس ، لأن " فعلة " تكون للفاعل كهمزة ولمزة وضحكة ، وللمفعول كلقطة ، فقياسه إن ثبت هنا : أن يكون اسما للكثير الرخيص على غيره إذا فشا الرخص فيه .

                                                      وقال الآمدي في الإحكام " : الرخصة بفتح الخاء : الأخذ بالرخصة ، فيحتمل أنه أراد بالأخذ المصدر ، ويحتمل أراد اسم الفاعل ، والقياس الأول وهو المنقول .

                                                      وأما في الاصطلاح : فقد اختلف فيه ، فقال الإمام الرازي : ما جاز فعله مع قيام المقتضي للمنع ، وأورد عليه أن الرخصة هي الحكم ، وأنها [ ص: 32 ] قد تكون بجواز الترك ، وأن التكاليف كلها كذلك ، لأنها على خلاف التخفيف الذي هو الأصل ، كذا قاله القرافي ، وفيه نظر ، لأن التكاليف كلها بعض ما هو يستحق على العبد لله تعالى فهو ماش على الأصل . وقال القرافي : طلب الفعل السالم عن المانع المشتهر ، واحترز بالمشتهر عن نحو ما تقدم ، ثم أورد على نفسه العقود المخالفة للقياس كالسلم والمسابقة .

                                                      وقال الهندي : ما جاز فعله أو تركه مع قيام المانع منه ، ويرد عليه كثير مما تقدم .

                                                      وقيل : ما لزم العباد بإيجابه تعالى وفيه نظر .

                                                      وقيل : ما خرج عن الوضع الأصلي لعارض .

                                                      وقال ابن الحاجب : المشروع لعذر مع قيام المحرم لولا العذر ، ويرد عليه التعبد بالتحريم .

                                                      وقيل : استباحة المحظور مع قيام المحرم ، فإن أريد إباحة المحظور مع قيام المحرم بلا حرمة فهو قول بتخصيص العلة ، وإن أريد إباحة المحظور مع قيام الحرمة ، فهو قول بالجمع بين المتضادين ، وكلاهما فاسد .

                                                      وقيل : الحكم مع المعارض أي مع قيام الدليل الدال على المنع .

                                                      وقيل : الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر مع كونه حراما في حق غير المعذور ، وهو المراد بقول الفقهاء ما ثبت على خلاف القياس أي الشرعي ، لا القياس العقلي المصلحي ، لأنه إنما عدل به عن نظائره لمصلحة راجحة . هذا في جانب الفعل ، وفي جانب الترك أن يوسع للمكلف تركه [ ص: 33 ] مع قيام الوجوب في حق غير المعذور تخفيفا وترفها سواء كان التغيير في وضعه أو حكمه .

                                                      وهو نوعان :

                                                      أحدهما : أن يتغير الحكم مع بقاء الوصف الذي كان عليه بأن يكون في نفسه محرما مع سقوط حكمه ، كإجراء كلمة الكفر على لسانه حالة الإكراه مع قيام التصديق بالقلب .

                                                      والثاني : أن يسقط الحظر والمؤاخذة جميعا كأكل الميتة عند المخمصة حتى لو امتنع ومات فإنه يؤاخذ .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية