الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل نزله أي القرآن المدلول عليه بالآية، وقال الطبرسي: أي الناسخ المدلول عليه بما تقدم روح القدس يعني جبريل عليه السلام وأطلق عليه ذلك من حيث إنه ينزل بالقدس من الله تعالى أي مما يطهر النفوس من القرآن والحكمة والفيض الإلهي، وقيل: لطهره من الأدناس البشرية، والإضافة عند بعض للاختصاص كما في رب العزة وجعلها بعض المحققين من إضافة الموصوف للصفة على جعله نفس القدس مبالغة نحو- خبر سوء ورجل صدق- على ما ارتضاه الرضي، ومثل ذلك حاتم الجود وسحبان الفصاحة وخالف في ذلك صاحب الكشف مختارا أنها للاختصاص، ولا يخفى ما في صيغة التفعيل بناء على القول بأنها تفيد التدريج من المناسبة لمقتضى المقام لما فيها من الإشارة إلى أنه أنزل دفعات على حسب المصالح من ربك في إضافة الرب إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من الدلالة على تحقيق إفاضة آثار الربوبية عليه عليه الصلاة والسلام ما ليس في إضافته إلى ياء المتكلم المنبئة عن التلقين المحض كما في إرشاد العقل السليم، وكأنه اعتناء بأمر هذه الدلالة لم يقل من ربكم على أن في ترك خطابهم من حط قدرهم ما فيه، (ومن) لابتداء الغاية مجازا بالحق أي ملتبسا بالحكمة المقتضية له بحيث لا يفارقها ناسخا كان أو منسوخا ليثبت الذين آمنوا أي على الإيمان بما يجب الإيمان به لما فيه [ ص: 232 ] من الحجج القاطعة والأدلة الساطعة أو على الإيمان بأن كلامه تعالى فإنهم إذا سمعوا الناسخ وتدبروا ما فيه من رعاية المصالح رسخت عقائدهم واطمأنت به قلوبهم، وأول بعضهم الآية على هذا الوجه بقوله: ليبين ثباتهم وتعقب بأنه لا حاجة إليه إذ التثبيت بعد النسخ لم يكن قبله فإن نظر إلى مطلق الإيمان صح. وقرئ ليثبت من الأفعال.

                                                                                                                                                                                                                                      وهدى وبشرى للمسلمين عطف على محل ليثبت عند الزمخشري ومن تابعه وهو نظير زرتك لأحدثك وإجلالا لك أي تثبيتا وهداية وبشارة، وتعقب بأنه إذا اعتبر الكل فعل المنزل على الإسناد المجازي لم يكن للفرق بإدخال اللام في البعض والترك في البعض وجه ظاهر، وكذا إذا اعتبر فعل الله تعالى كما هو كذلك على الحقيقة، وإذا اعتبر البعض فعل المنزل ليتحد فاعل المصدر وفاعل الفعل المعلل به فيترك اللام له والبعض الآخر فعل الله تعالى ليختلف الفاعل فيؤتى باللام لم يكن لهذا التخصيص وجه ظاهر أيضا ويفوت به حسن النظم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الخفاجي: يوجه ترك اللام في المعطوف دون المعطوف عليه مع وجود شرط الترك فيهما بأن المصدر المسبوك معرفة على ما تقرر في العربية والمفعول له الصريح وإن لم يجب تنكيره كما عزي للرياشي فخلافه قليل كقوله: وأغفر عوراء الكريم ادخاره. ففرق بينهما تفننا وجريا على الأفصح فيهما، والنكتة فيه أن التثبيت أمر عارض بعد حصول المثبت عليه فاختير فيه صيغة الحدوث مع ذكر الفاعل إشارة إلى أنه فعل لله تعالى مختص به بخلاف الهداية والبشارة فإنهما يكونان بالواسطة، وقيل: إن وجود الشرط مجوز لا موجب والاختيار مرجح مع ما في ذلك من فائدة بيان جواز الوجهين، وفيه أنه لا يصلح وجها عند التحقيق، وقد اعترض أبو حيان هنا بما تقدم في الكلام على قوله تعالى: لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة ، وذكر أنه لا يمتنع أن يكون العطف على المصدر المنسبك لأنه مجرور فيكون هدى وبشرى مجرورين، وجوز أبو البقاء أن يكونا مرفوعين على أنهما خبرا مبتدأ محذوف أي وهو هدى وبشرى، والجملة في موضع الحال من الهاء في ( نزله ) .

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد بالمسلمين الذين آمنوا، والعدول عن ضميرهم لمدحهم بكلا العنوانين، وفسر بعضهم الإسلام بمعناه اللغوي فقيل: إن ذلك ليفيد بعد توصيفهم بالإيمان، والظاهر أن ( للمسلمين ) قيد للهدى والبشرى ولم أر من تعرض لجواز كونه قيدا للبشرى فقط كما تعرض لذلك في قوله تعالى: (هدى ورحمة وبشرى للمسلمين) على ما سمعت هناك.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه الآية على ما قالوا تعريض لحصول أضداد الأمور المذكورة لمن سوى المذكورين من الكفار من حيث إن قوله تعالى: قل نزله جواب لقولهم: إنما أنت مفتر فيكفي فيه قل نزله روح القدس فالزيادة لمكان التعريض وقال الطيبي : إن نزله روح القدس بدل نزله الله فيه زيادة تصوير في الجواب وزيد قوله تعالى بالحق لينبه على دفع الطعن بألطف الوجوه ثم نعى قبيح أفعالهم بقوله تعالى: ليثبت إلخ تعريضا بأنهم متزلزلون ضالون موبخون منذرون بالخزي والنكال واللعن في الدنيا والآخرة وأن عذابهم في خلاف ذلك ليزيد في غيظهم وحنقهم، وفي الكلام ما هو قريب من الأسلوب الحكيم اه فتأمل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية