الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        حكم القاضي ضربان ، أحدهما : مما ليس بإنشاء ، وإنما هو تنفيذ لما قامت به حجة ، فينفذ ظاهرا لا باطنا ، فلو حكم بشهادة زور بظاهري العدالة ، لم يحصل بحكمه الحل باطنا ، سواء كان المحكوم به [ ص: 153 ] مالا أو نكاحا أو غيرهما ، فإن كان نكاحا ، لم يحل للمحكوم له الاستمتاع ، ويلزمها الهرب والامتناع ما أمكنها ، فإن أكرهت فلا إثم عليها ، فإن وطئ ، قال الشيخ أبو حامد : هو زان ويحد ، وخالفه ابن الصباغ والروياني ؛ لأن أبا حنيفة - رحمه الله - يجعلها منكوحة بالحكم ، وذلك شبهة للخلاف في الإباحة ، وإن كان المحكوم به الطلاق ، حل للمحكوم عليه وطؤها إن تمكن ، لكن يكره ؛ لأنه يعرض نفسه للتهمة والحد ويبقى التوارث بينهما ، ولا تبقى النفقة للحيلولة ، ولو تزوجت الآخر ، فالحل مستمر للأول ، فإن وطئها الثاني جاهلا بالحال ، فهو وطء شبهة ، ويحرم على الأول في العدة ، وإن كان الثاني عالما ، أو نكحها أحد الشاهدين ووطئ ، فوجهان أحدهما يحد ، ولا يحرم على الأول في العدة ، والأشبه أنه وطء شبهة لما سبق .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : الإنشاءات كالتفريق بين المتلاعنين ، وفسخ النكاح بالعيب ، والتسليط على الأخذ بالشفعة ونحو ذلك ، فإن ترتبت على أصل كاذب ، بأن فسخ بعيب قامت بشهادة زور ، فهو كالضرب الأول ، وإن ترتبت على أصل صادق ، فإن لم تكن في محل اختلاف المجتهدين ، نفذ ظاهرا وباطنا ، وإن كان مختلفا فيه ، نفذ ظاهرا ، وفي الباطن أوجه ، أصحها عند جماعة ، منهم البغوي ، والشيخ أبو عاصم : النفوذ مطلقا لتتفق الكلمة ، ويتم الانتفاع ، والثاني : المنع ، وبه قال الأستاذ أبو إسحاق ، واختاره الغزالي . والثالث : إن اعتقده الخصم أيضا ، نفذ باطنا ، وإلا فلا ، هذه الأوجه تشبه الأوجه في اقتداء الشافعي بالحنفي وعكسه ، فإن منعنا النفوذ باطنا مطلقا ، أو في حق من لا يعتقده [ ص: 154 ] لم يحل للشافعي الأخذ بحكم الحنفي بشفعة الجوار ، أو بالتوريث بالرحم إذا لم نقل به نحن ، وعلى هذا هل يمنعه القاضي لاعتقاد المحكوم له أم لا ، لاعتقاد نفسه ؟ وجهان أصحهما الثاني . ومن قال بالمنع ، فقد يقول لا ينفذ القضاء في حقه لا ظاهرا ولا باطنا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        هل تقبل شهادته بما لا يعتقده كشافعي بشفعة الجوار ؟ وجهان في " التهذيب " .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح القبول ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال للقاضي رجلان : كانت بيننا خصومة في كذا ، فحكم القاضي فلان بيننا بكذا ، ونحن نريد أن تستأنف الحكم بيننا باجتهادك ، ونرضى بحكمك ، فهل يجيبهما أم يتعين إمضاء الحكم الأول ، ولا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد ؟ وجهان ، حكاهما ابن كج ، الصحيح الثاني .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية