الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وللولي الأبعد التزويج بغيبة الأقرب ) فلو زوج الأبعد حال قيام الأقرب توقف على إجازته ولو تحولت الولاية إليه لم يجز إلا بإجازته بعد التحول قهستاني وظهيرية ( مسافة القصر ) واختار في الملتقى ما لم ينتظر الكفء الخاطب جوابه واعتمده الباقاني ونقل ابن الكمال أن عليه الفتوى وثمرة الخلاف فيمن اختفى في المدينة هل تكون غيبة منقطعة ( ولو زوجها الأقرب حيث هو جاز ) النكاح ( على ) القول ( الظاهر ) ظهيرية [ ص: 82 ] ( ويثبت للأبعد ) على أولياء النسب شرح وهبانية لكن في القهستاني عن الغياثي : لو لم يزوج الأقرب زوج القاضي عند فوت الكفء ( التزويج بعضل الأقرب ) أي بامتناعه عن التزويج [ ص: 83 ] إجماعا خلاصة ( ولا يبطل تزويجه ) السابق ( بعود الأقرب ) لحصوله بولاية تامة

التالي السابق


( قوله وللولي الأبعد إلخ ) المراد بالأبعد من يلي الغائب في القرب كما عبر به في كافي الحاكم ، وعليه فلو كان الغائب أباها ولها جد وعم ، فالولاية للجد لا للعم قال في الاختيار : ولا تنتقل إلى السلطان لأن السلطان ولي من لا ولي له وهذه لها أولياء إذ الكلام فيه ا هـ ومثله في الفتح وغيره وبه علم أنه ليس المراد بالأبعد هنا القاضي وما في الشرنبلالية على أن المراد به القاضي دون غيره لأن هذا من باب دفع الظلم . ا هـ . إنما قاله في المسألة الآتية أي مسألة عضل الأقرب كما يأتي بيانه ، ويدل عليه التعليل بدفع الظلم فإنه لا ظلم في الغيبة بخلاف العضل فالاعتراض على الشرنبلالية بمخالفتها لإطلاق المتون ناشئ عن اشتباه إحدى المسألتين بالأخرى فافهم ( قوله حال قيام الأقرب ) أي حضوره وهو من أهل الولاية أما لو كان صغيرا أو مجنونا جاز نكاح الأبعد ذخيرة ( قوله توقف على إجازته ) تقدم أن البالغة لو زوجت نفسها غير كفء ، فللولي الاعتراض ما لم يرض صريحا أو دلالة كقبض المهر ونحوه ، فلم يجعلوا سكوته إجازة والظاهر أن سكوته هنا كذلك فلا يكون سكوته إجازة لنكاح الأبعد وإن كان حاضرا في مجلس العقد ما لم يرض صريحا أو دلالة تأمل ( قوله ولو تحولت الولاية إليه ) أي إلى الأبعد بموت الأقرب أو غيبته غيبة منقطعة ط ( قوله مسافة القصر إلخ ) اختلف في حد الغيبة فاختار المصنف تبعا للكنز أنها مسافة القصر ونسبه في الهداية لبعض المتأخرين والزيلعي لأكثرهم قال : وعليه الفتوى . ا هـ . وقال في الذخيرة الأصح أنه إذا كان في موضع لو انتظر حضوره أو استطلاع رأيه فات الكفء الذي حضر فالغيبة منقطعة وإليه أشار في الكتاب . ا هـ .

وفي البحر عن المجتبى والمبسوط : أنه الأصح وفي النهاية واختاره أكثر المشايخ وصححه ابن الفضل ، وفي الهداية أنه أقرب إلى الفقه . وفي الفتح أنه الأشبه بالفقه وأنه لا تعارض بين أكثر المتأخرين وأكثر المشايخ أي لأن المراد من المشايخ المتقدمون وفي شرح الملتقى عن الحقائق أنه أصح الأقاويل وعليه الفتوى . ا هـ . وعليه مشى في الاختيار والنقاية ويشير كلام النهر إلى اختياره وفي البحر والأحسن الإفتاء بما عليه أكثر المشايخ ( قوله هل تكون غيبة منقطعة ) أي فعلى الأول لا وعلى الثاني نعم لأنه لم يعتبر مسافة السفر .

قلت : لكن فيه أن الثاني اعتبر فوات الكفء الذي حضر فينبغي أن ينظر هنا إلى الكفء إن رضي بالانتظار مدة يرجى فيها ظهور الأقرب المختفي لم يجز نكاح الأبعد وإلا جاز ولعله بناه على أن الغالب عدم الانتظار تأمل ( قوله جاز على الظاهر ) أي بناء على أن ولاية الأقرب باقية مع الغيبة . وذكر في البدائع اختلاف المشايخ فيه . [ ص: 82 ] وذكر أن الأصح القول بزوالها وانتقالها للأبعد قال في المعراج وفي المحيط لا رواية فيه وينبغي أن لا يجوز لانقطاع ولايته ، وفي المبسوط لا يجوز ولئن سلم ، فلأنها انتفعت برأيه ، ولكن هذه منفعة حصلت لها اتفاقا فلا يبنى الحكم عليها ا هـ . وكذا ذكر في الهداية المنع ثم التسليم بقوله ولو سلم قال في الفتح : وهذا تنزل وأيد الزيلعي المنع من حيث الرواية والمنقول ، وكذا في البدائع وبه علم أن قوله على الظاهر ، ليس المراد به ظاهر الرواية لما علمت من أنه لا رواية فيه ، وإنما هو استظهار لأحد القولين ; وقد علمت ما فيه من تصحيح خلافه ومنعه في أكثر الكتب .

أقول : ويؤخذ من هذا بالأولى أن الوليين لو كانا في درجة واحدة كأخوين غاب أحدهما فزوج في مكانه لا يصح لأنه إذا لم يصح تزويج الأقرب الغائب مع حضور الأبعد ، فعدم صحة العقد من الغائب مع حضور المساوي له في الدرجة بالأولى فتأمل ( قوله من أولياء النسب ) احتراز عن القاضي ( قوله لكن في القهستاني إلخ ) استدراك على ما في شرح الوهبانية فإنه لم يستند فيه إلى نقل صريح ، وهذا منقول وقد أيده أيضا العلامة الشرنبلالي في رسالة سماها كشف المعضل فيمن عضل بأنه ذكر في أنفع الوسائل عن المنتقى إذا كان للصغيرة أب امتنع عن تزويجها لا تنتقل الولاية إلى الجد بل يزوجها القاضي ، ونقل مثله ابن الشحنة عن الغاية عن روضة الناطفي ، وكذا المقدسي عن الغاية والنهر عن المحيط والفيض عن المنتقى ، وأشار إليه الزيلعي حيث قال في مسألة تزويج الأبعد بغيبة الأقرب

وقال الشافعي : بل يزوجها الحاكم اعتبارا بعضله ، وكذا قال في البدائع إن نقل الولاية إلى السلطان أي حال غيبة الأقرب باطل لأنه ولي من لا ولي له وهاهنا لها ولي أو وليان ، فلا تثبت الولاية للسلطان إلا عند العضل من الولي ولم يوجد وكذا فرق في التسهيل بين الغيبة والعضل بأن العاضل ظالم بالامتناع فقام السلطان مقامه في دفع الظلم ، بخلاف الغائب خصوصا للحج ونحوه في شرح المجمع الملكي وبه أفتى العلامة ابن الشلبي ، فهذه النقول تفيد الاتفاق عندنا على ثبوتها بعضل الأقرب للقاضي فقط . وأما ما في الخلاصة والبزازية من أنها تنتقل إلى الأبعد بعضل الأقرب إجماعا فالمراد بالأبعد القاضي لأنه آخر الأولياء فالتفضيل على بابه وحمله في البحر على الأبعد من الأولياء ثم ناقض نفسه بعد سطرين بقوله قالوا وإذا خطبها كفء وعضلها الولي تثبت الولاية للقاضي نيابة عن العاضل فله التزويج وإن لم يكن في منشوره . ا هـ . هذا خلاصة ما في الرسالة ثم ذكر فيها عن شرح المنظومة الوهبانية عن المنتقى ثبوت الخيار لها بالبلوغ إذا زوجها القاضي بعضل الأقرب ، وعن المجرد عدم ثبوته والأول على أن تزويجه بطريق الولاية والثاني على أنه بطريق النيابة عن العاضل رجحه الشرنبلالي دفعا للتعارض في كلامهم .

قلت : ويؤيده ما مر عن التسهيل ، وكذا قولهم فله التزويج وإن لم يكن في منشوره ويجب حمل ما في المجرد على ما إذا كان العاضل الأب أو الجد لثبوت الخيار لها عند تزويج غيرهما فكذا عند تزويج القاضي نيابة عنه ( قوله عند فوت الكفء ) أي خوف فوته ( قوله أي بامتناعه عن التزويج ) أي من كفء بمهر المثل ، أما لو امتنع عن غير الكفء ، أو لكون المهر أقل من مهر المثل ، فليس بعاضل ط وإذا امتنع عن تزويجها من هذا الخاطب الكفء ليزوجها من كفء غيره استظهر في البحر أنه يكون عاضلا قال ولم أره وتبعه المقدسي والشرنبلالي ، واعترضه الرملي بأن الولاية بالعضل تنتقل إلى القاضي نيابة لدفع الأضرار بها ولا يوجد مع إرادة التزويج بكفء وغيره ا هـ .

قلت : وفيه نظر لأنه متى حضر الكفء الخاطب لا ينتظر غيره خوفا من فوته ولذا تنتقل الولاية إلى الأبعد [ ص: 83 ] عند غيبة الأقرب كما مر . نعم لو كان الكفء الآخر حاضرا أيضا وامتنع الولي الأقرب من تزويجها من الكفء الأول لا يكون عاضلا لأن الظاهر من شفقته على الصغيرة أنه اختار لها الأنفع لتفاوت الأكفاء أخلاقا وأوصافا فيتعين العمل بهذا التفصيل والله أعلم ( قوله ولا يبطل تزويجه ) يعني تزويج الأبعد حال غيبة الأقرب ، وكان الأولى ذكر هذه الجملة بعد قوله وللولي الأبعد التزويج بغيبة الأقرب ط ( قوله السابق ) أي المتحقق سبقه احترازا عما لو زوجها الغائب الأقرب قبل الحاضر الأبعد ، فإنه يلغو المتأخر وعما لو جهل التاريخ ، فإنه يبطل كل منهما بناء على بقاء ولاية الغائب ، أما على ما قدمناه من انقطاع ولايته فالعبرة لعقد الحاضر مطلقا




الخدمات العلمية