الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي حبيبة قال قلت لرجل وأنا حديث السن ما على الرجل أن يقول علي مشي إلى بيت الله ولم يقل علي نذر مشي فقال لي رجل هل لك أن أعطيك هذا الجرو لجرو قثاء في يده وتقول علي مشي إلى بيت الله قال فقلت نعم فقلته وأنا يومئذ حديث السن ثم مكثت حتى عقلت فقيل لي إن عليك مشيا فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك فقال لي عليك مشي فمشيت قال مالك وهذا الأمر عندنا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1026 1009 - ( مالك عن عبد الله بن أبي حبيبة ) المدني مولى الزبير بن العوام روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وعن عثمان بن عفان ذكره البخاري عن ابن مهدي ، وروى عن سعيد بن المسيب ، وروى عنه بكير بن عبد الله الأشج ومالك وأبو حنيفة في مسنده عنه سمعت أبا الدرداء فذكر الحديث في فضل من قال لا إله إلا الله ، قال ابن الحذاء : هو من الرجال الذين اكتفي في معرفتهم برواية مالك عنهم .

                                                                                                          ( قال قلت لرجل وأنا حديث السن ) قال الباجي : يريد أنه لم يكن فقه لحداثة سنه ( ما على الرجل أن يقول علي مشي إلى بيت الله ولم يقل علي نذر مشي ) قال ابن حبيب عن مالك : كان عبد الله يومئذ قد بلغ الحلم واعتقد أن لفظ الالتزام إذا عري من لفظ النذر لم يجب عليه فيه شيء ( فقال لي رجل : هل لك أن أعطيك هذا الجرو ) مثلث الجيم قال ابن السكيت ، والكسر أفصح ، الصغير من كل شيء ( لجرو قثاء في يده ) وفي نسخة بيده شبهت بصغار أولاد الكلاب للينها ونعومتها كذا في البارع ( وتقول علي مشي إلى بيت الله ؟ قال : فقلت نعم ) قال الباجي : ما كان ينبغي ذلك للرجل فربما حمله اللجاج على أمر لا يمكنه الوفاء به وكان ينبغي أن يعلمه بالصواب ، فإن قبل وإلا حضه على السؤال ، ولعله اعتقد فيه أنه إن لم يلزمه هذا القول ترك السؤال وإن لزمه دعته الضرورة إلى السؤال عنه ( فقلته وأنا يومئذ حديث السن ) صغير [ ص: 87 ] لم أتفقه وإن كنت بالغا ( ثم مكثت حتى عقلت ) تفقهت ( فقيل لي إن عليك مشيا ) لأنه لا فرق بين ذكر لفظ نذر وعدمه إذ المدار على الالتزام فلم ير تقليد هؤلاء ( فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك ) لأنه أعلم أهل وقته بعد الصحابة ( فقال : عليك مشي فمشيت ) لأنه وإن كان من نذر اللجاج لكنه يلزم إذا كان قربة ، ولا خلاف في الأخذ بقول الأفضل الأعلم ، وهل له الأخذ بقول المفضول إذا كملت آلات الاجتهاد فيه ؟ اختلف في ذلك ، وعندي يجوز الأخذ بقول أي من شاء منهم ، إذ لا خلاف أن بعض الصحابة أفضل من بعض وأعلم ، وقد كان جميع فقهائهم يفتي وينتهي الناس إلى قوله قاله الباجي .

                                                                                                          ( قال مالك : وهذا الأمر عندنا ) وقاله ابن عمر وطائفة من العلماء ، وروي مثله عن القاسم بن محمد ، وروي عنه أيضا أن فيه كفارة يمين ، والمعروف عن ابن المسيب خلاف ما روى عنه ابن أبي حبيبة ، وأنه لا شيء عليه حتى يقول : علي نذر مشي إلى الكعبة ، وأظنه جعل قوله علي مشي إخبارا بباطل ; لأن الله لم يوجبه عليه في كتاب ولا سنة حتى يقول : نذرت المشي أو علي نذر المشي أو علي لله المشي نذرا .

                                                                                                          والنذر شرعا إيجاب المرء فعل البر على نفسه ، وهذا خالف مالكا فيه أكثر العلماء ، وذلك " نذر " على مخاطرة ، والعبادات إنما تصح بالنيات لا بالمخاطرة ، وهذا لم تكن له نية فكيف يلزمه ما لم يقصد به طاعة ؟ ولذا قال محمد بن عبد الحكم : من جعل على نفسه المشي إلى مكة إن لم يرد حجا ولا عمرة فلا شيء عليه ، كذا قاله ابن عبد البر .

                                                                                                          وفي قوله المعروف عن سعيد خلاف ما هنا شيء لأنه إن ثبت ما قال أنه المعروف عنه فيكون رجع عن ذلك ، وإلا فالإسناد إليه صحيح ، مالك عن أبي حبيبة عنه ، لا سيما وهو صاحب القصة ولا يضر مالكا مخالفة الأكثر له لأنه مجتهد بل لو انفرد فلا ضرر




                                                                                                          الخدمات العلمية