الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما

                                                                                                                                                                                                الجلباب : ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقي منه ما ترسله على صدرها . وعن ابن عباس -رضي الله عنهما - : الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل . وقيل : الملحفة وكل ما يستتر به من كساء أو غيره . قال أبو زيد [من البسيط ] :


                                                                                                                                                                                                مجلبب من سواد الليل جلبابا



                                                                                                                                                                                                [ ص: 98 ] ومعنى يدنين عليهن من جلابيبهن يرخينها عليهن ، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن . يقال : إذا زل الثوب عن وجه المرأة : أدن ثوبك على وجهك ، وذلك أن النساء كن في أول الإسلام على هجيراهن في الجاهلية متبذلات ، تبرز المرأة في درع وخمار فصل بين الحرة والأمة ، وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرضون إذا خرجن بالليل إلى مقاضي حوائجهن من النخيل والغيطان للإماء ، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة ، يقولون : حسبناها أمة ، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء الأردية والملاحف وستر الرءوس والوجوه ، ليحتشمن ويهين فلا يطمع فيهن طامع ، وذلك قوله : ذلك أدنى أن يعرفن أي أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرض لهن ولا يلقين ما يكرهن . فإن قلت : ما معنى "من " في من جلابيبهن ؟ قلت : هو للتبعيض . إلا أن يكون معنى التبعيض محتمل وجهين ، أحدهما : أن يتجلببن ببعض ما لهن من الجلاليب ، والمراد أن لا تكون الحرة متبذلة في درع وخمار ، كالأمة والماهنة ولها جلبابان فصاعدا في بيتها . والثاني : أن ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة . وعن ابن سيرين : سألت عبيدة السلماني عن ذلك فقال : أن تضع رداءها فوق الحاجب ثم تديره حتى تضعه على أنفها . وعن السدي : تغطي إحدى عينيها وجبهتها ، والشق الاخر إلا العين . وعن الكسائي : يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن ، أراد بالانضمام معنى الإدناء وكان الله غفورا لما سلف منهن من التفريط مع التوبة ; لأن هذا مما يمكن معرفته بالعقل .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية