الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        وأما أن على مبتدعها إثم من عمل بها إلى يوم القيامة :

                        فلقوله تعالى : ( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ) .

                        ولما في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام : من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها الحديث .

                        [ ص: 161 ] وإلى ذلك أشار الحديث الآخر : ما من نفس تقتل ظلما; إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها ، لأنه أول من سن القتل .

                        وهذا التعليل يشعر بمقتضى الحديث قبله ، إذ علل تعليق الإثم على ابن آدم لكونه أول من سن القتل ، فدل على أن من سن ما لا يرضاه الله ورسوله ، فهو مثله ، إذ لم يتعلق الإثم بمن سن القتل; لكونه قتلا دون غيره ، بل لكونه سن سنة سوء وجعلها طريقا مسلوكة .

                        ومثل هذا ما جاء في معناه مما تقدم أو يأتي كقوله : ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي الله ورسوله; كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا .

                        وغير ذلك من الأحاديث .

                        فليتق الله امرؤ ربه ، ولينظر قبل الإحداث في أي مزلة يضع قدمه في مصون أمره ، [ أم ] يثق بعقله في التشريع ، ويتهم ربه فيما شرع ! ولا يدري المسكين ما الذي يوضع له في ميزان سيئاته ، مما ليس في حسابه ، ولا شعر أنه من عمله .

                        فما من بدعة يبتدعها أحد فيعمل بها من بعده ، إلا كتب عليه إثم ذلك العامل ، زيادة إلى إثم ابتداعه أولا ، ثم عمله ثانيا .

                        وإذا ثبت أن كل بدعة تبتدع ، فلا تزداد على طول الزمان إلا مضيا [ ص: 162 ] حسبما تقدم واشتهارا وانتشارا ، فعلى وزن ذلك يكون إثم المبتدع لها ، كما أن من سن سنة حسنة; كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .

                        وأيضا ، فإذا كانت كل بدعة يلزمها إماتة سنة تقابلها; كان على المبتدع إثم ذلك أيضا ، فهو إثم زائد على إثم الابتداع ، وذلك الإثم يتضاعف تضاعف إثم البدعة بالعمل بها ، لأنها كلما تجددت في قول أو عمل; تجددت في قول إماتة السنة كذلك .

                        واعتبروا ذلك ببدعة الخوارج ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عرفنا بأنهم : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . . . . . الحديث إلى آخره ، ففيه بيان أنهم لم يبق لهم من الدين إلا ما إذا نظر فيه الناظر; شك فيه وتمارى : هل هو موجود فيهم أم لا ؟ وإنما سببه الابتداع في دين الله ، وهو الذي دل عليه قوله : يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، وقوله : يقرءون القرآن لا يتجاوز تراقيهم فهذه بدع ثلاث ، إعاذة بالله من ذلك بفضله .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية