الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) من سننه ( ترك الاستعانة ) بصب الماء عليه من غير عذر لأنها ترفة لا يليق بحال المتعبد ، فهي خلاف الأولى كما اقتضاه كلامه لا مكروهة ، وفي إحضار الماء مباحة ، وفي غسل الأعضاء من غير عذر مكروهة ، وتجب على عاجز ولو بأجرة مثل وجدها فاضلة عما يعتبر في الفطرة [ ص: 195 ] في الأوجه .

                                                                                                                            قال الزركشي : وينبغي أي في عدم كراهتها أن يكون المعين أهلا للعبادة ليخرج الكافر ونحوه انتهى ، وإطلاقهم يخالفه ، وتعبيره بالاستعانة جرى على الغالب على أن السين ترد لغير الطلب كاستحجر الطين : أي صار حجرا ، فلو أعانه غيره مع قدرته وهو ساكت متمكن من منعه كان كطلبها ( و ) من سننه ترك ( النفض ) لأنه يشبه التبري من العبادة فهو خلاف الأولى كما اقتضاه كلامه ، وصححه في التحقيق خلافا للروضة من كونه مباحا وللشرحين من كراهته ( وكذا التنشيف ) بالرفع بخطه : أي تركه من بلل ماء وضوئه بلا عذر فهو خلاف الأولى ( في الأصح ) لما صح من { أنه صلى الله عليه وسلم أتي بمنديل بعد غسله من الجنابة فرده وجعل ينفض الماء بيده } .

                                                                                                                            ولا دليل فيه لإباحة النفض لاحتمال كونه فعله بيانا للجواز .

                                                                                                                            والثاني أنه مباح واختاره في شرح مسلم .

                                                                                                                            والثالث مكروه .

                                                                                                                            والتعبير بالتنشيف لا يقتضي أن المسنون تركه إنما هو المبالغة فيه خلافا لمن توهمه ، إذ هو كما في القاموس أخذ الماء بخرقة ، أما إذا كان ثم عذر فلا يسن تركه بل يتأكد سنه كأن خرج بعد وضوئه في هبوب ريح تنجس أو آلمه شدة نحو برد ، وسيأتي أن الميت يسن تنشيفه ، والتعبير بالتنشيف هنا هو المناسب لا النشف لما مر من أن الأول أخذ الماء بخرقة وأما الثاني بمعنى الشرب فلا يظهر هنا إلا بنوع تكلف .

                                                                                                                            وبقي من سنن الوضوء أشياء كثيرة ذكرت في المطولات وأشار إلى ختمها فقال ( ويقول بعده ) أي بعد [ ص: 196 ] فراغ وضوئه مستقبل القبلة رافعا يديه إلى السماء ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) لخبر { من توضأ فقال أشهد أن لا إله إلا الله إلخ فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء } ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) رواه الترمذي ( سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ) لخبر { من توضأ فقال : سبحانك اللهم وبحمدك إلخ كتب برق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة } والرق بفتح الراء والطابع بفتح الباء وكسرها وهو الخاتم ، ومعنى لم يكسر : لم يتطرق إليه إبطال ، واعتذر عن حذف دعاء الأعضاء بقوله ( وحذفت ) بالمعجمة : أي أسقطت ( دعاء الأعضاء ) وهو أن يقول عند غسل كفيه : اللهم احفظ يدي عن معاصيك كلها .

                                                                                                                            وعند المضمضة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك .

                                                                                                                            وعند الاستنشاق : اللهم أرحني رائحة الجنة .

                                                                                                                            وعند غسل الوجه : اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه .

                                                                                                                            وعند غسل اليد اليمنى : اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا .

                                                                                                                            وعند غسل اليسرى : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري .

                                                                                                                            وعند مسح الرأس : اللهم حرم شعري وبشري على النار . [ ص: 197 ] وعند مسح الأذنين : اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .

                                                                                                                            وعند غسل رجليه : اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ( إذ لا أصل له ) في كتب الحديث وإن كان الرافعي قد عده في المحرر والشرح من سننه .

                                                                                                                            قال المصنف في أذكاره وتنقيحه : لم يجئ فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                            وأفاد الشارح أنه فات الرافعي والنووي أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم من طرق في تاريخ ابن حبان وغيره وإن كانت ضعيفة للعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال .

                                                                                                                            ولهذا اعتمد الوالد رحمه الله تعالى استحبابه ، وأفتى به وباستحبابه أيضا عقب الغسل كالوضوء ولو مجددا ، ويتجه إلحاق التيمم به على ما يأتي فيه ، ونفى المصنف أصله باعتبار الصحة .

                                                                                                                            أما باعتبار وروده من الطرق المتقدمة فلعله لم يثبت عنده ذلك ، أو لم يستحضره حينئذ .

                                                                                                                            واعلم أن شرط العمل بالحديث الضعيف عدم شدة ضعفه وأن يدخل تحت أصل عام وأن لا يعتقد سنيته بذلك الحديث ، وفي هذا الشرط الأخير نظر لا يخفى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بصب الماء عليه إلخ ) وينبغي أن يكون من ذلك الوضوء من الحنفية لأنها معدة للاستعمال على هذا الوجه بحيث لا يتأتى استعمال منها على غيره ، فليس المقصود منها مجرد الترفه ، بل يترتب على الوضوء منها الخروج من خلاف من منع الوضوء من الفساقي الصغيرة ونظافة مائها في الغالب عن ماء غيرها ( قوله : عما يعتبر في الفطرة إلخ ) قضيته وجوب تقديم الأجرة على الدين ، لأن المعتمد عنده أن الدين لا يمنع من وجوب الفطرة .

                                                                                                                            وفي الدميري ما نصه : إن وجدها فاضلة على كفايته وكفاية من تلزمه كفايته يومه وليلته وقضاء دينه وهو الموافق لما في المنهج وغيره من [ ص: 195 ] تقديم الدين على زكاة الفطر ، ويؤيده ما قالوه في التيمم من أنه لو احتاج في قضاء دينه إلى ثمن الماء تيمم ، فقدموا الدين على استعمال الماء فقياسه أن يقدم هنا على الأجرة ( قوله في الأوجه ) أي وإلا صلى بالتيمم وأعاد ا هـ شرح الإرشاد لشيخنا قم ( قوله أي في عدم كراهتها ) أي بأن قلنا خلاف الأولى أو مباحة ، وقوله ليخرج الكافر إلخ مقتضاه أن إعانة الكافر مكروهة مطلقا عنده وفيما ذكر عنه تأمل فليحرر ( قوله : ليخرج الكافر ونحوه ) كالمجنون ( قوله : كان كطلبها ) أي فيكون خلاف الأولى ( قوله : ينفض ) من باب نصر ( قوله هبوب ريح تنجس ) هو شامل لما إذا غلب على ظنه حصول النجاسة .

                                                                                                                            ويوجه بأن التضمخ بالنجاسة إنما يحرم إذا كان يفعله عبثا ، وأما هذا فليس من فعله وإن قدر على دفعه .

                                                                                                                            نعم فينبغي وجوبه إذا ضاق الوقت أو لم يكن ثم ما يغسل به وقد دخل الوقت ( قوله : لا النشف ) هو بسكون الشين وفعله نشف من باب فهم ، وقوله بمعنى الشرب قال في المختار : يقال نشف الثوب العرق ونشف الحوض الماء شربه ، وبابه فهم أيضا ( قوله : وبقي من سنن الوضوء إلخ ) ومنها ترك الكلام .

                                                                                                                            وفي فتاوى شيخ الإسلام أنه سئل هل يشرع السلام على المشتغل بالوضوء وليس له الرد أو لا ؟ فأجاب بأن الظاهر أنه يشرع السلام عليه ويجب عليه الرد ا هـ .

                                                                                                                            وهذا بخلاف المشتغل بالغسل لا يشرع السلام عليه لأن من شأنه أنه قد ينكشف منه ما يستحي من الاطلاع عليه فلا تليق مخاطبته حينئذ ا هـ قب ( قوله : ويقول بعده ) عبارة حج بعده : أي عقب الوضوء بحيث لا يطول بينهما فاصل عرفا فيما يظهر ، ثم رأيت بعضهم قال : ويقول فورا قبل أن يتكلم ا هـ .

                                                                                                                            ولعله بيان للأكمل ا هـ .

                                                                                                                            وهو صريح في أنه متى طال الفصل عرفا لا يأتي به كما لا يأتي بسنة الوضوء .

                                                                                                                            ونقل بالدرس عن الشمس الرملي أنه يأتي به ما لم يحدث وإن طال الفصل وأن سنة الوضوء كذلك ، لكنه قال في صلاة النفل بعد قول المصنف ويخرج النوعان بخروج وقت الفرض ما نصه : وهل تفوت سنة الوضوء بالإعراض عنها كما بحثه بعضهم ، وفرق بينهما وبين الضحى فإنه لا يفوت طلبها وإن فعل بعضها في الوقت [ ص: 196 ] قاصدا الإعراض عن باقيها بل يستحب قضاؤه ، أو بالحدث كما جرى عليه بعضهم ، أو بطول الفصل عرفا احتمالات أوجهها ثالثها كما يدل عليه قول المصنف في روضته ، ويستحب لمن توضأ أن يصلي عقبه ( قوله : رافعا يديه ) أي كهيئة الداعي حتى عند قوله أشهد أن لا إله إلا الله ، ولا يقيم السبابة خلافا لما يفعله ضعفة الطلبة من مجاوري الجامع الأزهر ( قوله : أبواب الجنة الثمانية ) أي إكراما له ، وإلا فمعلوم أنه لا يدخل إلا من واحد فقط : وهو ما سبق في علمه سبحانه وتعالى دخوله منه ، وظاهره أن ذلك يحصل لمن فعله ولو مرة واحدة في عمره ولا مانع منه ( قوله : وبحمدك ) واوه زائدة فالكل جملة واحدة أو عاطفة : أي وبحمدك سبحتك حج ( قوله : أستغفرك ) . [ تنبيه ] معنى أستغفرك أطلب منك المغفرة : أي ستر ما صدر مني من نقص تمحوه فهي لا تستدعي سبق ذنب خلافا لمن زعمه ، وظاهر كلامهم ندب : وأتوب إليك ولو لغير متلبس بالتوبة .

                                                                                                                            واستشكل بأنه كذب .

                                                                                                                            ويجاب بأنه خبر بمعنى الإنشاء : أي أسألك أن تتوب علي ، أو باق على خبريته .

                                                                                                                            والمعنى أنه بصورة التائب الخاضع الذليل ، ويأتي في وجهت وجهي وخشع لك سمعي ما يوافق بعض ذلك ا هـ حج . [ فائدة ] { من قرأ في أثر وضوئه { إنا أنزلناه في ليلة القدر } مرة واحدة كان من الصديقين ، ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء ، ومن قرأها ثلاثا حشره الله محشر الأنبياء } . فر عن أنس قال السيوطي : فيه أبو عبيدة مجهول ا هـ من المجموع الفائق من حديث خير الخلائق للمناوي .

                                                                                                                            ثم رأيت في حج هنا ما نصه : ويسن أن يقول عقبه وصلى الله على سيدنا محمد وآل محمد ويقرأ { إنا أنزلناه } أي ثلاثا كما هو القياس ، ثم رأيت بعض الأئمة صرح بذلك ا هـ .

                                                                                                                            ويسن بعد قراءة السورة المذكورة أن يقول : { اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي ولا تفتني بما زويت عني } .

                                                                                                                            ا هـ سيوطي في بعض مؤلفاته .

                                                                                                                            ويسن أن يأتي بجميع هذا ثلاثا كما مر مستقبل القبلة بصدره رافعا يديه وبصره ولو نحو أعمى ا هـ حج .

                                                                                                                            كما يسن إمرار الموسى على الرأس الذي لا شعر به ( قوله : كتب برق إلخ ) أي ويتعدد ذلك بتعدد الوضوء لأن الفضل لا حجر عليه ( قوله : دعاء الأعضاء ) قضيته أن هذه الأدعية كلها في المحرر ، وعبارة المحلي تفيد أن دعاء الكفين والمضمضة والاستنشاق والأذنين ليس فيه إلا أن يقال أراد دعاء الأعضاء لا بقيد كونه في المحرر ( قوله : وحاسبني ) لا يشكل هذا بأن فيه طلبا للحساب مع أن عدمه أسهل للنفس ، فكان اللائق طلب عدمه كما دل عليه الكتاب والسنة من تحقق الحساب ، وأن اختلافه على الناس إنما هو بالشدة والسهولة ، فكان طلب عدمه بالكلية طلبا لما دل الدليل على خلافه فليراجع ( قوله : اللهم حرم شعري إلخ ) [ ص: 197 ] زاد في شرح البهجة : وأظلني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ( قوله وباستحبابه ) أي باستحباب الذكر الوارد بعد الوضوء وهو : أشهد أن لا إله إلا الله إلخ ( قوله : شرط العمل بالحديث الضعيف إلخ ) أي سواء كان العامل به ممن يقتدى به أم لا ، بل قد يقال : يتأكد في حق المقتدى به ليكون فعله سببا لإفادة غيره الحكم المستفاد من ذلك الحديث .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 193 - 194 ] قوله : عما يعتبر في الفطرة ) أي فلا يعتبر فضلها عن الدين على الراجح ، وما في حاشية شيخنا من اعتبار فضلها عنه قياسا على ما في التيمم ممنوع لوجود الفارق ، وهو وجود البدل هناك لا هنا [ ص: 195 ] قوله : بمعنى الشرب ) قال الجوهري : نشف الثوب العرق بالكسر ، ونشف الحوض الماء ينشفه نشفا شربه وتنشفه كذلك [ ص: 196 - 197 ] قوله : وإن كان الرافعي قد عده ) أي دعاء الأعضاء من حيث هو ، وإلا فالرافعي لم يذكر في المحرر جميع الأدعية المتقدمة ( قوله : فات الرافعي ) أي أنه إنما احتج على الاستحباب بثبوته عن السلف ، والخلف ( قوله : أنه روى عنه ) أي من حيث هو ، وإلافالشارح لم يذكر جميع ما ذكر هنا وإنما ذكر ما في المحرر فقط ( قوله : وباستحبابه ) يعني قوله أشهد أن لا إله إلا الله إلخ هو ظاهر وإن أوهمت عبارته خلافه ( قوله : أما باعتبار وروده إلخ ) كان غرضه منه الجواب عن قول الشارح المار فات الرافعي والنووي أنه روى إلخ .




                                                                                                                            الخدمات العلمية