الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 65 ] وبأكل من تركته قبل قسمها ; في لا أكلت طعامه إن أوصى ، أو كان مدينا ، [ ص: 66 ] وبكتاب إن وصل أو رسول ، في لا كلمه ، ولم ينو في الكتاب في العتق والطلاق ، [ ص: 67 ] وبالإشارة له ، بكلامه ولو لم يسمعه ، لا قراءته بقلبه ، [ ص: 68 ] أو قراءة أحد عليه بلا إذن ، ولا بسلامه عليه بصلاة ، ولا كتاب المحلوف عليه ولو قرأ على الأصوب والمختار ، وبسلامه عليه معتقدا أنه غيره ، [ ص: 69 ] أو في جماعة إلا أن يحاشيه ، وبفتح عليه ، وبلا إذنه في لا تخرجي إلا بإذني

التالي السابق


( و ) حنث ( بأكل من تركته ) أي المحلوف عليه ( قبل قسمها ) بين مستحقيها ( في ) حلفه ( لا أكلت طعامه ) أي المحلوف عليه ( إن ) كان المحلوف عليه ( أوصى ) بمعلوم غير معين يحتاج في إخراجه لبيع تركة المحلوف عليه ( أو كان ) المحلوف عليه ( مدينا ) لوجوب وقفها للدين والوصية فإن كان أوصى بمعين كعبد معين أو شائع كربع أو ثلث مما لا يحتاج لبيع أو أكل الحالف بعد وفاء الدين وقبل قسم باقيها فلا يحنث خلاف ظاهر المصنف لأنه في الشائع لم يأكل مما على ذمة الميت ، بل من شائع بين الموصى له والورثة وهما حيان ، وبعد توفية الدين لم يبق للميت تعلق بالتركة ومحل تفصيل المصنف في حلفه لغير قطاع من فإن كان لقطعه فلا يحنث بأكله منه بمجرد موته وإن كان لخبث ماله حنث إن كان منصوبا معينا إذ لا يحله إرثه ، فإن أحله كما لو نشأ عن معاملات فاسدة فقد زال عن المال خبثه بإرثه فلا يحنث بأكله منه حينئذ أفاده في معين الحكام . [ ص: 66 ] و ) حنث ( بكتاب ) كتبه الحالف أو أملاه أو أمر بكتبه ثم قرئ عليه بعربية أو غيرها لمن شأنه فهمه ( إن وصل ) للكتاب المحلوف عليه بإذن الحالف ولو حكما كعلمه بذهابه للمحلوف عليه وسكوته ، فإن لم يصل للمحلوف عليه فلا يحنث ولو كتبه عازما على إرساله له بخلاف الطلاق فيقع بمجرد كتابة صيغته عازما عليه لاستقلال الزوج به بخلاف المكالمة ، وكذا إن وصل بغير إذنه .

ابن حبيب لو قال الحالف للرسول : قطع كتابي أو رده إلي فعصاه وأعطاه للمحلوف عليه فقرأه لم يحنث كما لو رماه راجعا عنه بعد أن كتبه فقرأه المحلوف عليه ، وحيث وصل بإذنه ولو حكما حنث ، ولو لم يفتحه المحلوف عليه أو لم يقرأه نقله اللخمي عن المذهب وهو ظاهر المدونة والمصنف ، ونقل ابن رشد عن المذهب أنه لا بد من قراءته وعلى هذا فهل يشترط كونها باللفظ قولان ، وعلى الأول فلا فرق بين علم المحلوف عليه أنه من الحالف أم لا .

( أو ) بإرسال ( رسول ) بكلام للمحلوف عليه ( في ) حلفه ( لا كلمه ) أي الحالف المحلوف عليه وبلغ الرسول الكلام للمحلوف عليه وإلا لم يحنث . والفرق بينهما أن الكتاب أحد اللسانين ولا تزيد ولا تنقص بخلاف الرسول . أبو الحسن الصغير فلو لم يبلغه الرسول لم يحنث إلا أن يسمعه المحلوف عليه حين أمره فيحنث ( ولم ينو ) بضم المثناة وفتح النون ، والواو مشددة أي لا تقبل نية الحالف المشافهة بقوله لا أكلمه ( في ) صورة إرسال ( الكتاب ) للمحلوف عليه ( في ) حلفه على عدم كلامه ب ( العتق ) لرقيق معين ( و ) حلفه ب ( الطلاق ) مع رفعه للقاضي ببينة أو إقرار لمخالفة نيته ظاهر لفظه من شمول كلامه للمشافهة والكتابة .

ويؤيد هذا أن الغرض من حلفه على عدم كلامه مجانبته والكتابة تنافيها . وأما في غير العتق المعين والطلاق فينوى في القضاء وأما في الفتوى فينوى في الجميع . ومفهوم [ ص: 67 ] في الكتاب أنه ينوي في الرسول ولو في الطلاق والعتق المعين مع الرفع والبينة أو الإقرار لموافقة نيته ظاهر لفظه ، ويحلف في مسألة الرسول لحق الزوجة والرق ، فإن نكل حبس فإن طال دين . والفرق بينهما أن القلم أحد اللسانين ولو حلف ليكلمنه فلا يبر برسول ولا كتاب احتياطا للبر والحنث يقع بأدنى سبب .

( و ) حنث ( بالإشارة ) من الحالف على ترك الكلام ثم أشار الحالف ( له ) أي المحلوف عليه مع اعتقاده كونه المحلوف عليه أو غيره ، فظهر أنه هو سواء فهم المشار إليه الإشارة أم لا ، ومفهوم قوله له أنه إن أشار إلى غيره فقط فلا يحنث ولو اعتقد المحلوف عليه أنها له ، وسواء كان المشار له سميعا أو أصم وشمل الإشارة له ، ولغيره إلا أن يحاشيه ولا حنث بالإشارة لأعمى حلف لا أكلمه . والذي في الحط أن الراجح عدم الحنث بالإشارة إذ هو قول ابن القاسم واستظهره ابن رشد ، وعزاه لظاهر إيلائها . ونص ابن عرفة وفي حنثه بالإشارة إليه . ثالثها بالتي يفهم بها عنه لابن رشد عن أصبغ مع ابن الماجشون ، ولسماع عيسى ابن القاسم مع سماعه وابن رشد عن ظاهر إيلائها ولابن عبدوس عن ابن القاسم .

( و ) حنث ( بكلامه ) أي المحلوف عليه إن كان يسمعه عادة وسمعه بل ( ولو لم يسمعه ) أي المحلوف عليه كلام الحالف لمانع كنوم أو صمم ، فإن كان لا يسمعه عادة لبعده فلا يحنث ( لا ) يحنث من حلف لا يقرأ أو لا يقرأ كتابا أو هذا الكتاب ب ( قراءته ) أي الحالف ( بقلبه ) فليس لهذه تعلق بمن حلف لا أكلمه إذ الحنث فيها بمجرد وصول الكتاب . ا هـ . عب .

البناني معناه المطابق لسياق كلامه أن من حلف لا أكلم فلانا فلا يحنث بكتاب وصل المحلوف عليه وقرأ بقلبه ، وهذا قول أشهب ، ونقله ابن رشد عن المذهب لكنه يخالف قوله السابق ، وبكتاب إن وصل إذ ظاهره الحنث بمجرد وصوله وهو ظاهر المدونة . وقال اللخمي : إنه المذهب وهو الراجح ، فلذا عدل الزرقاني عنه ، وحمله على من حلف لا أقرأ كتابا إلخ مع بعده من سياق كلامه وذكر غ و ح أن في بعض النسخ فيما [ ص: 68 ] تقدم وبكتاب إن وصل وقرأ وهو يوافق ظاهر ما هنا ، لكن يكون على خلاف الراجح والله أعلم . ( أو قراءة أحد ) كتاب الحالف ( عليه ) أي المحلوف على ترك كلامه ووصله كتاب الحالف ( بلا إذن ) من الحالف فلا يحنث الحالف ولو قرأه المحلوف عليه ، خلاف ما يوهمه كلامه ا هـ عب . البناني ما حمله عليه ز مثله في غ وهو صواب لأنه يؤخذ بالأحرى مما تقدم عن ابن حبيب عند قوله وبكتاب إن وصل ، وقد قال ابن عرفة ما نصه الشيخ عن أبي زيد عن ابن القاسم لو أمر عبده فقرأه عليه حنث ، ولو قرأه عليه غيره بغير إذنه لم يحنث ولم يقف غ على هذا .

( ولا ) يحنث الحالف لا أكلم زيدا ( بسلامه ) أي الحالف ( عليه ) أي المحلوف عليه ( بصلاة ) إن طلب بالسلام عليه لكونه على يساره ، وإلا حنث ، وظاهره كالمدونة سواء كان الحالف إماما أو مأموما يسلم واحدة أو اثنتين أسمعه أو لم يسمعه . ولا يخلو من نزاع في بعضها . عج ظاهره يشمل السلام عليه في أثنائها معتقدا إتمامها ، فإن قصد خطابه حاضرا حنث وبطلت صلاته أفاده عب .

( ولا ) يحنث الحالف لا أكلم فلانا بوصول ( كتابه ) أي مكتوب ( المحلوف عليه ) إلى الحالف إن لم يقرأه بل ( ولو قرأ ) الحالف كتاب المحلوف عليه ( على الأصوب ) عند ابن المواز ( والمختار ) للخمي وهو قول أشهب ، وقال ابن القاسم يحنث .

( و ) حنث ( بسلامه ) أي الحالف لا أكلم فلانا ( عليه ) أي المحلوف عليه حال كون الحالف ( معتقدا ) أي جازما ( أنه ) أي المسلم عليه بالفتح ( غيره ) أي المحلوف عليه فتبين أنه هو وأولى ظانا أو شاكا أو متوهما أنه غيره فتبين أنه هو وليس هذا من اللغو [ ص: 69 ] لأنه الاعتقاد حال اليمين ، وهذا حال فعل غير المحلوف عليه فتبين الخطأ وتقدم أنه مقتض للحنث كالنسيان . والفرق بين هذا والسلام عليه في صلاة مع طلب كل منهما أن هذا طلب لخصوص التحية وذاك لا لخصوصها بل للصلاة ، فالمحلوف عليه غير مقصود بخصوصه بالتحية .

( أو ) بسلامه عليه حال كونه ( في جماعة ) فيحنث في كل حال ( إلا أن يحاشيه ) أي يخرج الحالف المحلوف عليه من الجماعة الذين أراد السلام عليهم بلفظ أو نية قبل السلام عليهم أو في أثنائه ، فإن أتم السلام قبل محاشاته فلا بد من محاشاته باللفظ بشروطه ، ولا تكفي النية فالمراد بها هنا ما يشمل الأمرين .

( و ) حنث الحالف لا كلمه ( بفتح ) أي إرشاد من الحالف للصواب ( عليه ) أي المحلوف عليه في القراءة إذا وقف أو انتقل من آية لأخرى بقراءة الحالف ما غلط المحلوف عليه فيه وإسماعه ليهتدي إلى الصواب ، ظاهره ولو وجب الفتح على المحلوف عليه على الحالف بأن صلى المحلوف عليه إماما للحالف وغلط في الفاتحة لأنه في معنى مخاطبته بقل أو اقرأ كذا .

( و ) حنث بخروجها من الدار بعد إذنه لها فيه ( بلا علم ) ها ب ( إذنه ) أي الحالف لها فيه ( في ) حلفه ( ولا تخرجي ) من الدار ( إلا بإذني ) ثم أذن لها فيه حاضرا أو مسافرا ، ولم تعلم بإذنه ، وخرجت فيحنث ولو أشهد على الإذن فيهما ; لأن معنى إلا بإذني إلا بسبب إذني وقد خرجت بغير سببه ، فلو حلف لا تخرجي إلا إذا أذنت وخرجت بعد إذنه وقبل علمها به فلا يحنث قاله اللخمي لوجود إذنه قبل خروجها ، وفي قوله لا تخرجي حذف نون الرفع لغير جازم ولا ناصب على لغة شاذة ; لأنه لكونه جواب قسم يتعين كونه خبرا والله أعلم .




الخدمات العلمية