الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 617 ] فصل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكتب متولي عكا من جهة السلطان صلاح الدين وهو الأمير بهاء الدين قراقوش في العشر الأول من شعبان إلى السلطان : إنه لم يبق عندهم في المدينة من الأقوات إلا ما يبلغهم إلى ليلة النصف من شعبان فلما وصل الكتاب إلى السلطان أسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لأحد خوفا من شيوع ذلك فيبلغ العدو فيقووا على المسلمين وتضعف القلوب وكان قد كتب إلى أمير الأسطول بالديار المصرية أن يقدم بالميرة إلى عكا فتأخر سيره ثم وصلت ثلاث بطس ليلة النصف فيها من الميرة ما يكفي أهل البلد طول الشتاء وهي في صحبة الأمير الحاجب لؤلؤ فلما أشرفت على البلد نهض إليها أسطول الفرنج ليحول بينها وبين البلد ويتلف ما فيها فاقتتلوا في البحر قتالا شديدا عظيما والمسلمون في البر يبتهلون إلى الله عز وجل في سلامتها والفرنج أيضا تصرخ برا وبحرا ، وقد ارتفع الضجيج فنصر الله المسلمين وسلم مراكبهم وطابت الريح للبطس فسارت فاخترقت المراكب الفرنجية المحيطة بالميناء ودخلت البلد سالمة ، ففرح بها أهل البلد والجيش فرحا شديدا ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان السلطان قد جهز قبل هذه الثلاث بطس المصريات بطسة عظيمة من بيروت فيها أربعمائة غرارة وشيء كثير من الجبن والبصل والشحم والقديد والنشاب والنفط وكانت هذه البطسة من بطس الفرنج المغنومة وأمر [ ص: 618 ] من فيها من البحارة أن يتزيوا بزي الفرنج حتى إنهم حلقوا لحاهم وشدوا الزنانير واستصحبوا معهم في البطسة شيئا من الخنازير وقدموا بها على مراكب الفرنج فاعتقدوا أنهم منهم وهي سائرة كأنها السهم إذا خرج من الرمية فحذرهم الفرنج غائلة الميناء من ناحية المسلمين فاعتذروا بأنهم مغلوبون معها والريح قوية لا يمكنهم أن يقفوا ولا ينصرفوا وما زالوا كذلك حتى ولجوا الميناء وأفرغوا ما كان معهم من الميرة - والحرب خدعة - فعبرت الميناء وعين الكفر عبرى فامتلأ الثغر بها خيرا وسرورا وأثرى مؤنتهم إلى أن قدمت عليهم تلك البطس الثلاث المصرية وكان ميناء البلد يكتنفها برجان يقال لأحدهما : برج الذبان فاتخذت الفرنج بطسة عظيمة لها خرطوم وفيه حركات إذا أرادوا أن يضعوه على شيء من الأسوار والأبرجة قلبوه فوصل إلى ما أرادوا فعظم أمر هذه البطسة على المسلمين ولم يزالوا في أمرها محتالين حتى أرسل الله عليها شواظا من نار فأحرقها وأغرقها وذلك أن الفرنج أعدوا فيها نفطا كثيرا وحطبا جزلا وأخرى خلفها فيها حطب محض حتى إذا أراد المسلمون المحاجنة على الميناء بمراكبهم أرسلوا النفط على بطسة الحطب فاحترقت وهي سائرة بين بطس المسلمين فتحرقها وكان في بطسة أخرى لهم مقاتلة تحت قبو قد أحكموه فيها ، فلما أرسلوا النفط على برج الذبان انعكس الأمر عليهم بقدرة الله تعالى ، وذلك لشدة الهواء تلك الليلة فما تعدت النار بطستهم فاحترقت وتعدى الحريق إلى الأخرى فغرقت ووصل إلى بطسة المقاتلة [ ص: 619 ] فتلفت وهلكت بمن فيها فأشبهوا من سلف من الكافرين كما قال تعالى في كتابه المبين يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين [ الحشر : 2 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية