الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل وأما حجته الثانية ؟ فقوله : كيف وأن أهل الأعصار لم تزل تتناقل في أقوالها وكتبها عن أهل الوضع تسمية هذا حقيقة وهذا مجازا فيقال : هذا مما يعلم بطلانه قطعا فلم ينقل أحد قط عن أهل الوضع أنهم قالوا : هذا حقيقة وهذا مجاز . وهذا معلوم بالاضطرار أن هذا لم يقع من أهل الوضع ولا نقله عنهم أحد ممن نقل لغتهم بل ولا ذكر هذا أحد عن الصحابة الذين فسروا القرآن وبينوا معانيه وما يدل في كل موضع فليس منهم أحد قال : هذا اللفظ حقيقة ; وهذا مجاز ولا ما يشبه ذلك لا ابن مسعود وأصحابه ولا ابن عباس وأصحابه ولا زيد بن ثابت وأصحابه ولا من بعدهم ولا مجاهد ولا سعيد بن جبير ولا عكرمة ولا الضحاك ولا طاوس ولا السدي ولا قتادة ولا غير هؤلاء ولا أحد من أئمة الفقه كالأئمة [ ص: 452 ] الأربعة وغيرهم ولا الثوري ولا الأوزاعي ولا الليث بن سعد ولا غيره . وإنما وجد في كلام أحمد بن حنبل لكن بمعنى آخر كما أنه وجد في كلام أبي عبيدة معمر بن المثنى بمعنى آخر .

                ولم يوجد أيضا تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز في كلام أئمة النحو واللغة كأبي عمرو بن العلاء وأبي عمرو الشيباني وأبي زيد ; والأصمعي ; والخليل ; وسيبويه ; والكسائي والفراء ; ولا يعلمه أحد من هؤلاء عن العرب .

                وهذا يعلمه بالاضطرار من طلب علم ذلك كما يعلم بالاضطرار عند العرب أنها لم تتكلم باصطلاح النحاة التي قسمت بعض الألفاظ : فاعلا واللفظ الآخر مفعولا ; ولفظا ثالثا مصدرا ; وقسمت بعض الألفاظ : معربا ; وبعضها مبنيا . لكن يعلم أن هذا اصطلاح النحاة لكنه اصطلاح مستقيم المعنى بخلاف من اصطلح على لفظ الحقيقة والمجاز ; فإنه اصطلاح حادث وليس بمستقيم في هذا المعنى : إذ ليس بين هذا وهذا فرق في نفس الأمر حتى يخص هذا بلفظ وهذا بلفظ بل أي معنى خصوا به اسم الحقيقة وجد فيما سموه مجازا وأي معنى خصوا به اسم المجاز يوجد فيما سموه حقيقة ولا يمكنهم أن يأتوا بما يميز بين النوعين .

                وليسوا مطالبين بما يقال : إن حد الحقيقي مركب من الجنس [ ص: 453 ] والفصل ; فإن هذا لو كان حقا لم يطالبوا به فكيف إذا كان باطلا ؟ بل المطلوب التمييز بين المسميين وهو معنى الحد اللفظي كما يميز بين مسمى الاسم المعرب والمبني والفاعل والمفعول ; ويميز بين مسميات سائر الأسماء فيطالبون بما يميزون بين ما سموه حقيقة وما سموه مجازا وهذا منتف في نفس الأمر إذ ليس في نفس الأمر نوعان ينفصل أحدهما عن الآخر حتى يسمى هذا حقيقة وهذا مجازا . وهذا بحث عقلي غير البحث اللفظي ; فإنهم يعترفون بأن النزاع في المسألة لفظي .

                قد ظنوا أن هذه التسمية والفرق منقول عن العرب وغلطوا في ذلك كما يغلط من يظن أن هذه التسمية والفرق يوجد في كلام الصحابة والتابعين وأئمة العلم وأن هذا ذكره الشافعي أو غيره من العلماء أو تكلم به واحد من هؤلاء ; فإن هذا غلط يشبه أن الواحد تربى على اصطلاح اصطلحه طائفة فيظن أن المتقدمين من أهل العلم كان هذا اصطلاحهم .

                ومن ظن أن العرب قسمت هذا التقسيم أو أن هذا أخذ عنها توقيف كما يوجد في كلام طائفة من المصنفين في أصول الفقه فغلطه أظهر وقد وجد في كلام طائفة كأبي الحسين البصري والقاضي أبي الطيب والقاضي أبي يعلى وغيرهم .

                [ ص: 454 ] وأعجب من هذا دعوى تواتر هذا عن أهل الوضع وعن أهل الأعصار لم يزل يتناقل في أقوالها وكتبها عن أهل الوضع تسمية هذا حقيقة وهذا مجازا وهذا التواتر الذي ادعاه لا يمكنه ولا غيره أن يأتي بخبر واحد فضلا عن هذا التواتر الذي ادعاه .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية