الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      نحن خلقناكم فلولا تصدقون أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: نحن خلقناكم أي: أوجدناكم ولم تكونوا شيئا، وأنتم تقرون بهذا "فلولا" أي: فهلا "تصدقون" بالبعث؟!

                                                                                                                                                                                                                                      ثم احتج على بعثهم بالقدرة على ابتدائهم فقال: أفرأيتم ما تمنون قال الزجاج: أي: ما يكون منكم من المني، يقال: أمنى الرجل يمني، ومنى يمني، فيجوز على هذا "تمنون" بفتح التاء إن ثبتت به رواية .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون أي: تخلقون ما تمنون بشرا؟! وفيه تنبيه على شيئين .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: الامتنان، إذ خلق من الماء المهين بشرا سويا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن من قدر على خلق ما شاهدتموه من أصل وجودكم كان أقدر على خلق ما غاب عنكم من إعادتكم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: نحن قدرنا بينكم الموت وقرأ ابن كثير: "قدرنا" بتخفيف الدال . وفي معنى الكلام قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: قضينا عليكم بالموت .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: سوينا بينكم في الموت "وما نحن بمسبوقين، على أن نبدل أمثالكم" قال الزجاج: المعنى: إن أردنا أن نخلق خلقا غيركم لم يسبقنا [ ص: 147 ] سابق، ولا يفوتنا ذلك . وقال ابن قتيبة: لسنا مغلوبين على أن نستبدل بكم أمثالكم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وننشئكم في ما لا تعلمون وفيه أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: نبدل صفاتكم ونجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: ننشئكم في حواصل طير سود تكون بـ "برهوت" كأنها الخطاطيف، قاله سعيد بن المسيب .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: نخلقكم في أي خلق شئنا، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: نخلقكم في سوى خلقكم، قاله السدي . قال مقاتل: نخلقكم سوى خلقكم في ما لا تعلمون من الصور .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولقد علمتم النشأة الأولى وهي ابتداء خلقكم من نطفة وعلقة فلولا تذكرون أي فهلا تعتبرون فتعلموا قدرة الله فتقروا بالبعث

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية