الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين

                                                                                                                                                                                                                                        إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا لا اختلاف بين أهل التفسير أنه أول بيت وضع للعبادة ، وإنما اختلفوا هل كان أول بيت وضع لغيرها؟ على قولين: أحدهما: أنه قد كانت قبله بيوت كثيرة ، وهو قول الحسن . والثاني: أنه لم يوضع قبله بيت ، وهذا قول مجاهد ، وقتادة . وفي ( بكة ) ثلاثة أقاويل: أحدها: أن بكة المسجد ، ومكة: الحرم كله ، وهذا قول ابن شهاب ، وضمرة بن ربيعة. والثاني: أن بكة هي مكة ، وهو قول أبي عبيدة. والثالث: أن بكة موضع البيت ، ومكة غيره في الموضع يريد القرية ، وروي ذلك عن مالك. وفي المأخوذ منه بكة قولان: أحدهما: أنه مأخوذ من الزحمة ، يقال: تباك القوم بعضهم بعضا إذا ازدحموا ، فبكة مزدحم الناس للطواف. والقول الثاني: أنها سميت بكة ، لأنها تبك أعناق الجبابرة ، إذا ألحدوا فيها بظلم لم يمهلوا. [ ص: 411 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وفي قوله: مباركا تأويلان: أحدهما: أن بركته ما يستحق من ثواب القصد إليه. والثاني: أنه آمن لمن دخله حتى الوحش ، فيجتمع فيه الصيد والكلب. فيه آيات بينات مقام إبراهيم الآية في مقام إبراهيم أثر قدميه وهو حجر صلد؟ والآية في غير المقام: أمن الخائف ، وهيبة البيت وامتناعه من العلو عليه ، وتعجيل العقوبة لمن عتا فيه ، وما كان في الجاهلية من أصحاب الفيل. ومن دخله كان آمنا معناه أنه عطف عليه قلوب العرب في الجاهلية فكان الجاني إذا دخله أمن. وأما في الإسلام ففيه قولان: أحدهما: أنه من النار ، وهذا قول يحيى بن جعدة. والثاني: من القتال بحظر الإيجال على داخليه ، وأما الحدود فتقام على من جنى فيه. واختلفوا في الجاني إذا دخله في إقامة الحد عليه فيه قولان: أحدهما: تقام عليه ، وهو مذهب الشافعي . والثاني: لا تقام حتى يلجأ إلى الخروج منه ، وهو مذهب أبي حنيفة. ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وفي الاستطاعة ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها بالمال ، وهي الزاد والراحلة ، وهو قول الشافعي . والثاني: أنها بالبدن ، وهو قول مالك. والثالث: أنها بالمال والبدن ، وهو قول أبي حنيفة. ومن كفر فإن الله غني عن العالمين وفيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني [من كفر] بفرض الحج فلم يره واجبا ، وهو قول ابن عباس . والثاني: هو لا يرى حجه برا ولا تركه مأثما ، وهو قول زيد بن أسلم. [ ص: 412 ]

                                                                                                                                                                                                                                        والثالث: اليهود ، لأنه لما نزل قوله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه فقالوا: نحن مسلمون فأمروا بالحج فلم يحجوا ، فأنزل الله هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية