الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  465 136 - حدثنا مسدد ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة ، فإن أحدكم إذا توضأ ، فأحسن وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة ، أو حط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد ، وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه ، وتصلي ، يعني عليه الملائكة ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه : اللهم اغفر له اللهم ارحمه ، ما لم يؤذ يحدث فيه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : وصلاته في سوقه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة كلهم قد ذكروا ، وأبو معاوية محمد بن حازم الضرير ، والأعمش هو سليمان بن مهران ، وأبو صالح هو ذكوان .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في أربعة مواضع ، وفيه رواية التابعي عن التابعي ، وفيه أن رواته ما بين بصري وكوفي ومدني .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 258 ] ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في باب فضل الجماعة عن موسى بن إسماعيل ، عن عبد الواحد ، عن الأعمش ، وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي كريب ، وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد ، وأخرجه الترمذي فيه عن هناد بن السري ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : ( صلاة الجميع ) ، أي : صلاة الجماعة ، والجميع في اللغة ضد المتفرق ، والجيش أيضا ، والحي المجتمع ، ويؤكد به يقال : جاءوا جميعا ، أي : كلهم ، وقال الكرماني : صلاة الجميع ، أي : صلاة في الجميع ، يعني صلاة الجماعة ، ( قلت ) : هذا تصرف غير مرضي . قوله : ( على صلاته في بيته ) ، أي : على صلاة المنفرد . وقوله : ( في بيته ) قرينة على هذا ، إذ الغالب أن الرجل يصلي في بيته منفردا . قوله : ( خمسا ) نصب على أنه مفعول لقوله : تزيد ، نحو قولك : زدت عليه عشرة ، ونحوها . قوله : ( فإن أحدكم ) بالفاء في رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني : بأن أحدكم بالباء الموحدة ، ووجهها أن تكون الباء للمصاحبة ، فكأنه قال : تزيد على صلاته بخمس وعشرين درجة مع فضائل أخر ، وهو رفع الدرجات ، وصلاة الملائكة ، ونحوها ، ويجوز أن تكون للسببية . قوله : ( فأحسن ) كذا هو بدون مفعوله ، والتقدير : فأحسن الوضوء ، والإحسان في الوضوء إسباغه برعاية السنن والآداب . قوله : ( لا يريد إلا الصلاة ) جملة حالية ، والمضارع المنفي إذا وقع حالا يجوز فيه الواو وتركه . قوله : ( خطوة ) قال السفاقسي : رويناه بفتح الخاء ، وهي المرة الواحدة ، وقال القرطبي : الرواية بضم الخاء ، وهي واحدة الخطى ، وهي ما بين القدمين ، والتي بالفتح مصدر . قوله : ( أو حط ) ويروى وحط بالواو ، وهذا أشمل . قوله : ( ما كان يحبسه ) ، أي : ما كان المسجد يحبسه ، وكلمة ما للمدة ، أي : مدة دوام حبس المسجد إياه . قوله : ( وتصلي الملائكة عليه ) ، أي : تدعو له بقولهم : اللهم اغفر له اللهم ارحمه . وقوله : ( اللهم اغفر له ) تقديره : وتدعو الملائكة قائلين : اللهم ، إذ لا يصح المعنى إلا به ، وقيل : إنه بيان للصلاة كذا هو بدون مفعوله ، والتقدير : فأحسن الوضوء . قوله : ( ما لم يؤذ ) بضم الياء آخر الحروف ، وبالذال المعجمة من الإيذاء ، والضمير المرفوع الذي فيه يرجع إلى المصلي ، ومفعوله محذوف تقديره : ما لم يؤذ الملائكة ، وإيذاؤه إياهم بالحدث في المسجد ، وهو معنى قوله : ( يحدث ) بضم الياء من الإحداث بكسر الهمزة ، وهو مجزوم ، وفي رواية الأكثرين على أنه بدل من يؤذ ، ويجوز رفعه على طريق الاستئناف ، وفي رواية الكشميهني : ( ما لم يؤذ بحدث فيه ) بلفظ الجار والمجرور متعلقا بيؤذ ، قال الكرماني : وفي بعض النسخ : ( ما لم يحدث ) بطرح لفظ يؤذ ، أي : ما لم ينقض الوضوء ، والذي ينقض الوضوء الحدث ، وقال بعضهم : يحتمل أن يكون أعم من ذلك ، ( قلت ) : الحديث رواه أبو داود في سننه ، ولفظه : ( ما لم يؤذ فيه ، أو يحدث فيه ) ، والأعمية التي قالها هذا القائل لا تمشي في رواية البخاري على ما لا يخفى ، وتمشي في رواية أبي داود ؛ لأنه عطف أو يحدث على قوله : ( لم يؤذ فيه ) ، والمعنى : ما لم يؤذ في مجلسه الذي صلى فيه أحدا بقوله ، أو فعله ، أو يحدث بالجزم من الإحداث بمعنى الحدث لا من التحديث فافهم ، فإنه موضع تأمل .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد الروايات في قوله : " خمسا وعشرين درجة " ) في رواية البخاري أيضا من حديث أبي سعيد ( صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته خمسا وعشرين درجة ) ، وعند ابن ماجه : ( بضعا وعشرين درجة ) ، وفي لفظ : ( فضل الصلاة على صلاة أحدكم وحده خمسا وعشرين جزءا ) ، وعند السراج ( تعدل خمسة وعشرين صلاة من صلاة الفذ ) ، وفي لفظ : ( تزيد على صلاة الفذ خمسا وعشرين ) ، وفي لفظ : ( سبعة وعشرين جزءا ) ، وفي لفظ : ( خير من صلاة الفذ ) ، وفي لفظ : ( تزيد على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ) ، وفي لفظ : ( صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين يصليها وحده ) ، وفي كتاب ابن حزم : صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد سبعا وعشرين درجة ، وفي ( سنن الكجي ) صلاة الجميع تفضل على صلاة الفذ ، وعند ابن حبان ( فإن صلاها بأرض فيء فأتم وضوءها وركوعها وسجودها تكتب صلاته بخمسين درجة ) ، وعند أبي داود : ( بلغت خمسين صلاة ) ، وقال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث : ( صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة ) وعند البخاري من حديث نافع ، عن ابن عمر : ( صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة ) قال الترمذي : كذا رواه نافع وعامة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال : ( خمسا وعشرين درجة )

                                                                                                                                                                                  [ ص: 259 ] وعند ابن حبان من حديث أبي بن كعب : ( أربعة وعشرين ، أو خمسة وعشرين درجة ، وصلاة الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل ، وصلاته مع الثلاثة أزكى من صلاته مع الرجلين ، وما أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل ) ، وعند أبي نعيم ، عن العمري ، عن نافع بلفظ : ( سبعة ، أو خمسة وعشرين ) ، وعند أحمد بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : ( صلاة الجميع تفضل على صلاة الرجل وحده خمسة وعشرين ضعفا كلها مثل صلاته ) ، وفي ( مسند ابن أبي شيبة ) : ( بضعا وعشرين درجة ) ، وعند السراج : ( بخمس وعشرين صلاة ) ، وفي لفظ : ( تزيد خمسا وعشرين ) ، وفي ( تاريخ البخاري ) من حديث الإفريقي عن قباث بن أشيم : ( صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من أربعة تترى ، وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى ، وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائة تترى ) ، وعند السراج من حديث أنس موقوفا بسند صحيح : ( تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده بضعا وعشرين صلاة ) ، وعند الكجي من حديث أبان مرفوعا : ( تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده بأربع وعشرين صلاة ) ، وعند السراج بسند صحيح عن عائشة : ( تفضل على صلاته وحده خمسا وعشرين درجة ) ، وكذا رواه معاذ عند الطبراني ، وعند ابن أبي شيبة عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( فضل صلاة الجماعة على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة قال : فإن كانوا أكثر فعلى عدد من في المسجد ، فقال رجل : وإن كانوا عشرة آلاف قال : نعم ) ، وعند ابن زنجويه من حديث ابن الخطاب الدمشقي عن زريق بن عبد الله الأنصاري : ( صلاة الرجل في بيته بصلاة ، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة ، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة ) ، وفي فضائل القدس لأبي بكر محمد بن أحمد الواسطي من حديث أبي الخطاب : ( وصلاة في مسجد القبائل بست وعشرين ، وصلاة في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة ، وصلاة في مسجدي بخمسين ألف صلاة ، وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ) ، ومن حديث عمار بن الحسن حدثنا إبراهيم بن هدبة عن أنس مرفوعا مثله ، وصلاته على الساحل بألفي ألف صلاة ، وصلاته بسواك بأربعمائة ألف صلاة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر وجه هذه الروايات ) اختلفوا في وجه الجمع بين سبع وعشرين درجة ، وبين خمس وعشرين ، فقيل : السبع متأخرة عن الخمس ، فكأن الله أخبره بخمس ، ثم زاده ، ورد هذا بتعذر التاريخ ، ورد هذا الرد بأن الفضائل لا تنسخ ، فتعين أنه متأخر ، وقيل : إن صلاة الجماعة في المسجد أفضل من صلاة الفذ في المسجد بسبع وعشرين درجة ، ورد هذا بقوله : ( وصلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته ، وفي سوقه بخمس وعشرين ضعفا ) ، وقيل : إن الصلاة التي لم تكن فيها فضيلة الخطى إلى الصلاة ، ولا فضيلة انتظارها تفضل بخمس ، والتي فيها ذلك تفضل بسبع ، وقيل : إن ذلك يختلف باختلاف المصلين والصلاة ؛ فمن أكملها وحافظ عليها فوق من أخل بشيء من ذلك ، وقيل : إن الزيادة لصلاتي العشاء والصبح لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما ، ويؤيده حديث أبي هريرة : ( تفضل صلاة الجماعة صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا وتجتمع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر ) فذكر اجتماع الملائكة بواو فاصلة واستأنف الكلام وقطعه من الجملة المتقدمة ، وقيل : لا منافاة بين الحديثين ؛ لأن ذكر القليل لا ينافي الكثير ، ومفهوم العدد باطل عند جماعة من الأصوليين ، وقال ابن الأثير : إنما قال : درجة ، ولم يقل : جزءا ، ولا نصيبا ، ولا حظا ، ولا شيئا من أمثال ذلك ؛ لأنه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع ، وأن تلك فوق هذه بكذا ، وكذا درجة ؛ لأن الدرجات إلى جهة فوق ، ( قلت ) : قد جاء فيه لفظ الجزء والضعف ، وقد تقدما عن قريب ، فكأنه لم يطلع عليهما ، وقد قيل : إن الدرجة أصغر من الجزء ، فكأن الخمسة والعشرين إذا جزئت درجات كانت سبعا وعشرين درجة ، ( قلت ) : هذا ليس بصحيح ؛ لأنه جاء في الصحيحين سبعا وعشرين درجة ، وخمسا وعشرين درجة ، فاختلف القدر مع اتحاد لفظ الدرجة ، وقد قيل : يحتمل أن تكون الدرجة في الآخرة ، والجزاء في الدنيا ، ( ( فإن قلت ) ) : قد علم وجه الجمع بين هذين العددين ، ولكن ما الحكمة في التنصيص عليهما ، ( قلت ) : نقل الطيبي عن التوربشتي : وأما وجه قصر أبواب الفضيلة على خمس وعشرين تارة ، وعلى سبع وعشرين أخرى ، فإن المرجع في حقيقة ذلك إلى علوم النبوة التي قصرت عقول الألباء عن إدراك جملها وتفاصيلها ، ولعل الفائدة فيما كشف به حضرة النبوة هي اجتماع المسلمين مصطفين كصفوف الملائكة ، والاقتداء بالإمام وإظهار شعائر الإسلام ، وغيرها . انتهى ، ( قلت ) : هذا لا يشفي الغليل ، ولا يجدي العليل ، والذي ظهر لي في هذا [ ص: 260 ] المقام من الأنوار الإلهية ، والأسرار الربانية ، والعنايات المحمدية أن كل حسنة بعشر أمثالها بالنص ، وأنه لو صلى في بيته كان يحصل له ثواب عشر صلوات ، وكذا لو صلى في سوقه كان لكل صلاة عشر ، ثم إنه إذا صلى بالجماعة يضاعف له مثله ، فيصير ثواب عشرين صلاة ، وأما زيادة الخمس فلأنه أدى فرضا من الفروض الخمسة فأنعم الله عليه ثواب خمس صلوات أخرى نظير عدد الفروض الخمسة زيادة عشرين إنعاما وفضلا منه عليه ، فتصير الجملة خمسة وعشرين .

                                                                                                                                                                                  وجواب آخر ، وهو أن مراتب الأعداد آحاد وعشرات ومئات وألوف ، والمئات من الأوساط وخير الأمور أوسطها ، والخمسة والعشرون ربع المائة وللربع حكم الكل ، وأما زيادة السبع ، فقال الكرماني : يحتمل أن يكون ذلك لمناسبة أعداد ركعات اليوم ، والليلة ، إذ الفرائض سبعة عشر ، والرواتب المؤكدة عشرة . انتهى ، ( قلت ) : الرواتب المذكورة اثني عشر لحديث المثابرة ، فتصير تسعة وعشرين ، فلا يطابق الواقع ، فنقول : يمكن أن يقال : إن أيام العمر سبعة ، فإذا صلى بالجماعة يزاد له على العشرين ثواب سبع صلوات كل صلاة من صلوات كل يوم وليلة من الأيام السبعة ، وأما الوتر فلعله شرع بعد ذلك ، ثم العلماء اختلفوا : هل هذا الفضل لأجل الجماعة فقط حيث كانت ، أو أن ذلك إنما يكون ذلك في الجماعة التي تكون في المسجد لما يلزم ذلك من أفعال تختص بالمساجد ؟ قال القرطبي : والظاهر الأول ؛ لأن الجماعة هو الوصف الذي علق عليه الحكم ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) قال ابن بطال : فيه أن الصلاة فيه للمنفرد درجة من خمس وعشرين درجة ، وقال الكرماني : لم يقل : يساوي صلاته منفردا خمسا وعشرين حتى يكون له درجة منها ، بل قال : تزيد ، فليس للمنفرد من الخمسة والعشرين شيء ، ( قلت ) : قال ذلك بالنظر في الرواية المذكورة في الباب ، فلو كان وقف على الروايات التي ذكرناها لما قال ذلك كذلك ، وفيه الدلالة على فضيلة الجماعة ، وفيه جواز اتخاذ المساجد في البيوت ، والأسواق ، وفيه ما استدل به بعض المالكية على أن صلاة الجماعة لا يفضل بعضها على بعض بكثرة الجماعة ، ورد هذا بما ذكرنا عن ابن حبان ، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى ، وإلى مطلوبية الكثرة ذهب الشافعي ، وابن حبيب المالكي .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية