الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وتجوز ) ( الصلاة عليه ) أي الميت ( في المسجد ) من غير كراهة ، بل تستحب فيه كما في المجموع ; { لأنه صلى الله عليه وسلم صلى فيه على ابني بيضاء [ ص: 26 ] سهيل وأخيه } ، رواه مسلم ، ولأن المسجد أشرف من غيره ، ورغم أنهما كانا خارجه غير معول عليه إذ هو خلاف الظاهر ، وأما خبر { من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له } فضعيف ، والذي في الأصول المعتمدة فلا شيء عليه ، ولو صح وجب حمله على هذا جمعا بين الروايات ، وقد جاء مثله في القرآن كقوله وإن أسأتم فلها أو على نقصان الأجر ; لأن المصلى عليها في المسجد ينصرف غالبا عنها ، ومن صلى عليها في الصحراء يحضر دفنها غالبا ، فيكون التقدير فلا أجر له كامل كقوله صلى الله عليه وسلم { لا صلاة بحضرة طعام } أما إذا خيف من إدخاله تلويث المسجد فلا يجوز إدخاله ( ويسن جعل صفوفهم ) أي المصلين على الميت ( ثلاثة فأكثر ) لخبر { من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب : أي حصلت له المغفرة } ولهذا كانت الثلاثة بمنزلة الصف الواحد في الأفضلية كما قاله الزركشي عن بعضهم .

                                                                                                                            نعم يتجه أن الأول بعد الثلاثة آكد لحصول الغرض بها ، وإنما لم يجعل الأول أفضل محافظة على مقصود الشارع من الثلاثة ، ويتأكد كما في البحر استحباب الصلاة على من مات في الأوقات الفاضلة كيوم عرفة والعيد وعاشوراء ويوم الجمعة وليلتها ( وإذا صلى عليه ) أي الميت ( فحضر من ) أي شخص ( لم يصل ) عليه ( صلى ) عليه استحبابا سواء كانت قبل دفنه أم بعده وينوي لها كما في المجموع الفرض [ ص: 27 ] والأصل في ذلك خبر { أنه عليه الصلاة والسلام صلى على قبور جماعة } ، ومعلوم أنهم إنما دفنوا بعد الصلاة عليهم ، ومن هذا أخذ جمع استحباب تأخيرها عليه إلى بعد الدفن

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : على ابني بيضاء ) وصف أمهما واسمها دعد ، وفي تكملة الصغاني : إذا قالت العرب فلان أبيض وفلانة بيضاء فالمعنى نقاء العرض من الدنس والعيوب ا هـ محلي .

                                                                                                                            وما ذكر يخالفه ما قاله صاحب النور فيما كتبه علي بن سيد الناس في الوفود في وفد بني سعد هذيم حيث قال قوله : ثم خرجنا نؤم المسجد حتى انتهينا إلى بابه فنجد رسول الله يصلي على جنازة في المسجد إلخ ، صاحب هذه الجنازة لا أعرفه ، ويحتمل أنه سهيل بن البيضاء ، فإن قدوم هذا الوفد سنة تسع كما تقدم أوله وسهيل توفي سنة تسع مقدمه عليه الصلاة والسلام من تبوك ولا أعلمه عليه الصلاة والسلام صلى على جنازة في المسجد وفي كون الأخ سهلا فيه نظر أو صفوان فيه نظر ، وتلخيصه أن سهلا مكبرا توفي بعده عليه الصلاة والسلام ، قاله الواقدي ، وكونه صفوان فيه نظر ; لأن صفوان توفي قتيلا ببدر .

                                                                                                                            والصواب حديث عباد بن مسلم الذي فيه إفراد سهيل لا الحديث الذي بعده والله أعلم هذا في مسجده عليه الصلاة والسلام ، ولكنه صلى [ ص: 26 ] في مسجد بني معاوية على أبي الربيع عبد الله بن عبد الله بن ثابت بن قيس بن هشة وكان قد شهد أحدا ا هـ بحروفه رحمه الله تعالى .

                                                                                                                            لكن في الإصابة من رواية ابن منده أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على سهل وأخيه سهيل في المسجد ، قال : وزعم الواقدي أن سهلا مكبرا مات بعد النبي عليه الصلاة والسلام ، وقال أبو نعيم : اسم أخي سهيل صفوان ومن سماه سهلا فقد وهم كذا قال ، لكن ذكر فيها أيضا في ترجمة صفوان أنهم اتفقوا على أنه شهد بدرا وروى ابن إسحاق أنه استشهد ببدر ، وجزم ابن حبان بأنه مات سنة ثلاثين وقيل سنة ثمان وثلاثين ، وبه جزم الحاكم أبو أحمد تبعا للواقدي ، وقيل مات في طاعون عمواس ا هـ باختصار ( قوله : سهيل وأخيه ) قال المحلي واسمه سهل ( قوله : إذ هو خلاف الظاهر ) قال حج : ولما تقرر في الأصول : أن الظرف بعد فاعله ومفعوله الحسيين يكون لهما بخلافه بعد غير الحسيين يكون للفاعل فقط إلى آخر ما أطال به فراجعه ( قوله : ويسن جعل صفوفهم ) حيث كانوا ستة فأكثر ا هـ حج .

                                                                                                                            ومفهومه أن ما دون الستة لا يطلب منه ذلك ، فلو حضر مع الإمام اثنان أو ثلاثة وقفوا خلفه وفي كلام سم عليه ما نصه بعد كلام : فإن كانوا خمسة فقط فهل يقف الزائد على الإمام وهو الأربعة صفين ; لأنه أقرب إلى العدد الذي طلبه الشارع وهو الثلاثة الصفوف ; ولأنهم يصيرون ثلاثة صفوف بالإمام أو صفا واحدا لعدم ما طلبه الشارع من الصفوف الثلاثة ؟ فيه نظر ، والأول غير بعيد بل هو وجيه ، وقضيته أنهم لو كانوا ثلاثة وقفوا خلف الإمام ، ولو قيل يقف واحد مع الإمام واثنان صفا لم يبعد لقربه من الصفوف الثلاثة التي طلبها الشارع .

                                                                                                                            أما لو كانوا أربعة فينبغي وقوف كل اثنين صفا خلف الإمام ; لأن فيه مراعاة لما طلبه الشارع من الثلاثة صفوف أيضا .

                                                                                                                            وبقي ما لو كان الحاضرون ثلاثة فقط بالإمام ، وينبغي أن يقف واحد خلف الإمام والآخر وراء من هو خلف الإمام ، ويحتمل أن يقف اثنان خلف الإمام فيكون الإمام صفا والاثنان صفا ; لأن أقل الصف اثنان فسقط طلب الثالث لتعذره ( قوله : كانت الثلاثة بمنزلة الصف إلخ ) وهو ظاهر إلا في حق من جاء وقد اصطف الثلاثة فالأفضل له كما هو ظاهر أن يتحرى الأول .

                                                                                                                            لأنا إنما سوينا بين الثلاثة لئلا يتركوها بتقدمهم كلهم للأول وهذا منتف ههنا ، ولو لم يحضر إلا ستة بالإمام وقف واحد معه واثنان صفا واثنان صفا ا هـ حج .

                                                                                                                            وقضيته أن أقل الصف اثنان وإلا لجعلت الخمسة صفين والإمام صفا ( قوله : في الأوقات الفاضلة إلخ ) ولعل وجهه أن موته [ ص: 27 ] في تلك الأوقات علامة على زيادة الرحمة له فتستحب الصلاة عليه تبركا به حيث اختير له الموت في تلك الأوقات وظاهره وإن عرف بغير الصلاح ( قوله : إلى بعد الدفن ) أي لمن حضر بعد الصلاة مسارعة إلى دفنه



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 25 - 26 ] قوله : نعم يتجه أن الأول بعد الثلاثة آكد ) أي مما بعده ( قوله : أي شخص ) أي أو أكثر [ ص: 27 ] قوله : أخذ جمع استحباب تأخيرها عليه ) أي ممن لم يحضر




                                                                                                                            الخدمات العلمية