الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : قل يتوفاكم ملك الموت الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي الدنيا في "ذكر الموت" وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في "العظمة"، عن ابن عباس ، أنه سئل عن نفسين اتفق موتهما في طرفة عين؛ واحد في المشرق وواحد في المغرب، كيف قدرة ملك الموت عليهما؟ قال : ما قدرة ملك الموت على أهل المشارق والمغارب والظلمات والهواء والبحور إلا كرجل بين يديه مائدة يتناول من أيها شاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد قال : قيل : يا رسول الله، ملك [ ص: 682 ] الموت واحد، والزحفان يلتقيان من المشرق والمغرب وما بينهما من السقط والهلاك! فقال : «إن الله حوى الدنيا لملك الموت حتى جعلها كالطست بين يدي أحدكم، فهل يفوته منها شيء؟» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج جويبر عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : ملك الموت الذي يتوفى الأنفس كلها، وقد سلط على ما في الأرض كما سلط أحدكم على ما في راحته، معه ملائكة من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فإذا توفى نفسا طيبة دفعها إلى ملائكة الرحمة، وإذا توفى نفسا خبيثة دفعها إلى ملائكة العذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا في "ذكر الموت" عن ابن مسعود ، وابن عباس قالا : لما اتخذ الله إبراهيم خليلا سأل ملك الموت ربه أن يأذن له فيبشر إبراهيم بذلك، فأذن له، فأتاه فقال له إبراهيم : يا ملك الموت، أرني كيف تقبض أنفاس الكفار؟ قال : يا إبراهيم، لا تطيق ذلك . قال : بلى . قال : فأعرض . فأعرض إبراهيم، ثم نظر إليه، فإذا برجل أسود ينال رأسه السماء، يخرج من فيه لهب النار، ليس من شعرة في جسده إلا في صورة رجل يخرج من فيه ومسامعه لهب النار، فغشي على إبراهيم، ثم أفاق وقد تحول ملك الموت في الصورة الأولى، فقال : يا ملك الموت، لو لم يلق الكافر من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه، [ ص: 683 ] فأرني كيف تقبض أنفاس المؤمنين؟ قال : أعرض . فأعرض، ثم التفت، فإذا هو برجل شاب أحسن الناس وجها وأطيبه ريحا، في ثياب بيض، فقال : يا ملك الموت، لو لم ير المؤمن عند موته من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، وأبو نعيم ، وابن منده ، كلاهما في "الصحابة"، عن الخزرج : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، ونظر إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار، فقال : «يا ملك الموت، ارفق بصاحبي، فإنه مؤمن» . فقال ملك الموت : طب نفسا، وقر عينا، واعلم أني بكل مؤمن رفيق، واعلم يا محمد، أني لأقبض روح ابن آدم، فإذا صرخ صارخ قمت في الدار ومعي روحه، فقلت : ما هذا الصارخ؟! والله ما ظلمناه، ولا سبقنا أجله، ولا استعجلنا قدره، وما لنا في قبضه من ذنب، فإن ترضوا بما صنع الله تؤجروا، وإن تسخطوا تأثموا وتؤزروا، وإن لنا عندكم عودة بعد عودة، فالحذر الحذر، وما من أهل بيت شعر ولا مدر، بر ولا بحر، سهل ولا جبل، إلا أنا أتصفحهم في كل يوم وليلة، حتى لأنا أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، والله لو أردت أن أقبض روح بعوضة، ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو يأذن [ ص: 684 ] بقبضها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا ، وأبو الشيخ في "العظمة"، عن أشعث بن أسلم قال : سأل إبراهيم ملك الموت، واسمه عزرائيل، وله عينان؛ عين في وجهه، وعين في قفاه، فقال : يا ملك الموت، ما تصنع إذا كانت نفس بالمشرق ونفس بالمغرب، ووقع الوباء بأرض، والتقى الزحفان، كيف تصنع؟ قال : أدعو الأرواح بإذن الله، فتكون بين إصبعي هاتين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا ، وأبو الشيخ، وأبو نعيم في "الحيلة"، عن شهر بن حوشب قال : ملك الموت جالس والدنيا بين ركبتيه، واللوح الذي فيه آجال بني آدم بين يديه، وبين يديه ملائكة قيام، وهو يعرض اللوح لا يطرف، فإذا أتى [ ص: 685 ] على أجل عبد قال : اقبضوا هذا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" عن خيثمة قال : أتى ملك الموت سليمان بن داود، وكان له صديقا، فقال له سليمان : ما لك تأتي أهل البيت فتقبضهم جميعا، وتدع أهل البيت إلى جنبهم لا تقبض منهم أحدا؟ قال : لا أعلم بما أقبض منها، إنما أكون تحت العرش، فيلقى إلي صكاك فيها أسماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا ، وأبو الشيخ، عن ابن جريج قال : بلغنا أنه يقال لملك الموت : اقبض فلانا في وقت كذا في يوم كذا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وأحمد في "الزهد"، وأبو الشيخ، عن عطاء بن يسار قال : ما من أهل بيت إلا يتصفحهم ملك الموت في كل يوم خمس مرات؛ هل منهم أحد أمر بقبضه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج جويبر عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : وكل ملك الموت بقبض أرواح الآدميين، فهو الذي يلي قبض أرواحهم، وملك في الجن، وملك في الشياطين، وملك في الطير والوحش والسباع والحيتان والنمل، فهم أربعة أملاك، والملائكة يموتون في الصعقة الأولى، وإن ملك الموت يلي قبض أرواحهم، ثم يموت، فأما الشهداء في البحر فإن الله يلي قبض أرواحهم، لا يكل ذلك إلى ملك الموت لكرامتهم عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 686 ] وأخرج ابن ماجه عن أبي أمامة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن الله وكل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهداء البحر؛ فإنه يتولى قبض أرواحهم» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا ، والمروزي في "الجنائز"، وأبو الشيخ، عن أبي الشعثاء جابر بن زيد، أن ملك الموت كان يقبض الأرواح بغير وجع، فسبه الناس ولعنوه، فشكا إلى ربه، فوضع الله الأوجاع، ونسي ملك الموت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في "الحلية" عن الأعمش قال : كان ملك الموت يظهر للناس، فيأتي الرجل، فيقول : اقض حاجتك، فإني أريد أن أقبض روحك . فشكا، فأنزل الله الداء، وجعل الموت خفية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار يعوده، فإذا ملك الموت عند رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا ملك الموت، ارفق بصاحبي؛ فإنه مؤمن» . فقال : أبشر يا محمد، فإني بكل مؤمن رفيق، واعلم يا محمد أني لأقبض ابن آدم [ ص: 687 ] فيصرخ أهله، فأقوم في جانب من الدار، فأقول : والله ما لي من ذنب، وإن لي لعودة وعودة، الحذر الحذر، وما خلق الله من أهل بيت ولا مدر ولا شعر ولا وبر، في بر ولا بحر، إلا وأنا أتصفحهم فيه، في كل يوم وليلة خمس مرات، حتى إني لأعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، والله يا محمد، إني لا أقدر أن أقبض روح بعوضة حتى يكون الله تبارك وتعالى هو الذي يأمر بقبضه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن قتادة : قل يتوفاكم ملك الموت قال : ملك الموت يتوفاكم، ومعه أعوان من الملائكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن مجاهد : قل يتوفاكم ملك الموت قال : حويت له الأرض، فجعلت له مثل طست، يتناول منها حيث يشاء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية