الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : « فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين » .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 697 ] وأخرج أبو عبيد في "فضائله"، وسعيد بن منصور ، وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري في "المصاحف"، عن أبي هريرة ، أنه قرأها : (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرات أعين) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، ومحمد بن نصر، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، والبيهقي في "البعث"، عن ابن عباس قال : كان عرش الله على الماء، فاتخذ جنة لنفسه، ثم اتخذ دونها أخرى، ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة . ثم قال : ومن دونهما جنتان لم يعلم الخلق ما فيهما، وهي التي قال الله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين يأتيهم فيها كل يوم تحفة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه، عن ابن مسعود قال : إنه لمكتوب في التوراة : لقد أعد الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر، ولا يعلم ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وإنه لفي [ ص: 698 ] القرآن : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وهناد في "الزهد"، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» . قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر بن عبد الواحد قال : بلغني أن الرجل من أهل الجنة يمكث في تكأته سبعين سنة، ثم يلتفت، فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه، فتقول له : قد أنى لك أن يكون لنا منك نصيب . فيقول : من أنت؟ فتقول : أنا مزيد . فيمكث معها سبعين سنة، ويلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه . فتقول : قد أنى لك أن يكون لنا منك نصيب . فيقول : من [ ص: 699 ] أنت؟ فتقول : أنا الذي قال الله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : إن الرجل من أهل الجنة ليجيء، فتشرف عليه النساء، فيقلن : يا فلان بن فلان، ما أنت بمن خرجت من عندها بأولى بك منا . فيقول : من أنتن؟ فيقلن : نحن من اللاتي قال الله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : يدخلون عليهم على مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات، معهم التحف من الله من جنات عدن ما ليس في جنانهم، وذلك قوله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال : سأصف لكم منزل رجل من أهل الجنة كان يطلب في الدنيا حلالا، ويأكل حلالا، حتى لقي الله على [ ص: 700 ] ذلك؛ فإنه يعطى يوم القيامة قصرا من لؤلؤة واحدة، ليس فيها صدع ولا وصل، فيها سبعون ألف غرفة، وأسفل الغرف سبعون ألف بيت، في كل بيت سقفه صفائح الذهب والفضة، ليس بموصول، ولولا أن الله سخر له النظر إليه، لذهب بصره من نوره، غلظ الحائط خمسة عشر ميلا، وطوله في السماء سبعون ميلا، في كل بيت سبعون ألف باب، يدخل عليه في كل بيت من كل باب سبعون ألف خادم، لا يراهم من في هذا البيت، ولا يراهم من في هذا البيت، فإذا خرج من قصره سار في ملكه مثل عمر الدنيا، يسير في ملكه عن يمينه وعن يساره ومن ورائه، وأزواجه معه، وليس معه ذكر غيره، ومن بين يديه ملائكة قد سخروا له، وبين أزواجه ستر، وبين يديه ستر ووصفاء ووصائف قد أفهموا ما يشتهي، وما تشتهي أزواجه، ولا يموت هو ولا أزواجه ولا خدامه أبدا، نعيمهم يزداد كل يوم من غير أن يبلى الأول، وقرة عين لا تنقطع أبدا، لا يدخل عليه فيه روعة أبدا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 701 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «والذي نفسي بيده، لو أن آخر أهل الجنة رجلا أضاف آدم فمن دونه، لوضع لهم طعاما وشرابا حتى يخرجوا من عنده، لا ينقصه ذلك مما مما أعطاه» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، ومسلم ، وابن جرير ، ومحمد بن نصر في كتاب "الصلاة"، والطبراني ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، من طريق أبي صخر، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف الجنة حتى انتهى، ثم قال : «فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» . ثم قرأ : « تتجافى جنوبهم عن المضاجع » . قال أبو صخر : فذكرته للقرظي فقال : إنهم أخفوا عملا، وأخفى لهم ثوابا، فقدموا على الله، فقرت تلك الأعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن أبي اليمان الهوزني قال : الجنة مائة درجة، أولها [ ص: 702 ] درجة فضة، وأرضها فضة، ومساكنها فضة، وآنيتها فضة، وترابها المسك . والثانية ذهب، وأرضها ذهب، ومساكنها ذهب، وآنيتها ذهب، وترابها المسك . والثالثة لؤلؤ، وأرضها لؤلؤ، ومساكنها لؤلؤ وآنيتها لؤلؤ، وترابها المسك، وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر . وتلا هذه الآية : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، والطبراني ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في "شعب الإيمان"، من طريق الحكم بن أبان، عن الغطريف، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن الروح الأمين قال : «يؤتى بحسنات العبد وسيئاته، فيقتص بعضها من بعض، فإن بقيت حسنة واحدة أدخله الله الجنة» . قال : فدخلت على يزداد، فحدث بمثل هذا، فقلت : فإن ذهبت الحسنة؟ قال : أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم الآية [الأحقاف : 16] . [ ص: 703 ] قلت : أفرأيت قوله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين قال : هو العبد يعمل سرا أسره إلى الله لم يعلم به الناس، فأسر الله له يوم القيامة قرة أعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن أدنى أهل الجنة حظا، قوم يخرجهم الله من النار برحمته بعد أن يحترقوا، يرتاح لهم الرب أنهم كانوا لا يشركون بالله شيئا، فينبذون بالعراء، فينبتون كما ينبت البقل، حتى إذا رجعت الأرواح إلى أجسادها قالوا : ربنا، كالذي أخرجتنا من النار، ورجعت الأرواح إلى أجسادنا، فاصرف وجوهنا عن النار . فيصرف وجوههم عن النار، ويضرب لهم شجرة ذات ظل وفيء، فيقولون : ربنا، كالذي أخرجتنا من النار، فانقلنا إلى ظل هذه الشجرة . فينقلهم إليها، فيرون أبواب الجنة، فيقولون : ربنا، كالذي [ ص: 704 ] أخرجتنا من النار، فانقلنا إلى أبواب الجنة . فيفعل، فإذا نظروا إلى ما فيها من الخيرات والبركات - قال : وقرأ أبو هريرة : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين - قالوا : ربنا، كالذي أخرجتنا من النار فأدخلنا الجنة . قال : فيدخلون الجنة، ثم يقال لهم : تمنوا . فيقولون : يا رب، أعطنا . حتى إذا قالوا : يا ربنا، حسبنا . قال : هذا لكم وعشرة أمثاله» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، ومسلم ، والترمذي ، وابن جرير ، والطبراني ، وأبو الشيخ في "العظمة"، وابن مردويه ، والبيهقي في "الأسماء والصفات"، عن المغيرة بن شعبة، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : «أن موسى سأل ربه فقال : أي رب، أي أهل الجنة أدنى منزلة؟ فقال : رجل يجيء بعدما دخل أهل الجنة الجنة، فيقال له : ادخل، فيقول : كيف أدخل وقد نزلوا منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا؟ فيقول : نعم، أي رب قد رضيت . فيقال له : فإن لك هذا وعشرة أمثاله معه . فيقول : رضيت أي رب . فيقال له : فإن لك من هذا ما اشتهت نفسك، ولذت عينك . فقال موسى : أي رب، فأي أهل الجنة أرفع منزلة؟ قال : إياها أردت، [ ص: 705 ] وسأحدثك عنهم؛ إني غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها فلا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» . قال : ومصداق ذلك في كتاب الله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية