الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  468 139 - حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن شميل ، أخبرنا ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي قال ابن سيرين : قد سماها أبو هريرة ، ولكن نسيت أنا ، قال : فصلى بنا ركعتين ، ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى ، وخرجت السرعان من أبواب المسجد ، فقالوا : قصرت الصلاة ، وفي [ ص: 263 ] القوم أبو بكر وعمر ، فهاباه أن يكلماه ، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين ، قال : يا رسول الله ، أنسيت ، أم قصرت الصلاة ؟ قال : لم أنس ، ولم تقصر ، فقال : أكما يقول ذو اليدين ؟ فقالوا : نعم ، فتقدم فصلى ما ترك ، ثم سلم ، ثم كبر وسجد مثل سجوده ، أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر ، ثم كبر وسجد مثل سجوده ، أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر ، فربما سألوه ، ثم سلم فيقول : نبئت أن عمران بن حصين قال : ثم سلم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، والحديث يدل على تمامها ؛ لأن التشبيك إذا جاز في المسجد ففي غيره أولى بالجواز .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم خمسة الأول : إسحاق بن منصور بن بهرام ، تقدم في باب فضل من علم ، الثاني : النضر بن شميل ، بضم المعجمة ، تقدم في باب حمل العنزة ، الثالث : عبد الله بن عون ، تقدم ، الرابع : محمد بن سيرين ، تكرر ذكره ، الخامس : أبو هريرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، والإخبار كذلك في موضع واحد ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه أن إسحاق بن منصور هو المجزوم به عند أبي نعيم ، وفيه أن رواته ما بين مروزي وبصري .

                                                                                                                                                                                  ( ( ذكر تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره ) ) : أخرجه البخاري أيضا عن عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، وعن حفص بن عمرو ، عن آدم ، عن شعبة ، وأخرجه مسلم عن قتيبة ، عن مالك ، وعن حجاج بن الشاعر ، وأخرجه أبو داود في الصلاة عن علي بن نصر بن علي ، وعن محمد بن عبيد ، وعن معاذ ، عن أبيه ، وأخرجه النسائي فيه عن حميد بن مسعدة ، عن يزيد بن زريع ، وعن عمرو بن عثمان ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد ، عن أبي أسامة ، وأخرج الطحاوي هذا الحديث من ثلاثة عشر طريقا .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله : ( إحدى صلاتي العشي ) هكذا في رواية الأكثرين ، وفي رواية الحموي ، والمستملي ( العشاء ) بالمد ، والظاهر أنه وهم ؛ لأنه صح في رواية أخرى للبخاري : ( صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ، أو العصر ) ، وفي رواية مسلم : ( صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العصر ، فسلم في ركعتين ) ، وفي أخرى له : ( صلى ركعتين من صلاة الظهر ، ثم سلم ) ، وفي رواية أبي داود : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر ) ، وفي رواية الطحاوي : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر ، وأكبر ظني أنه ذكر صلاة الظهر ) . قوله : ( وأكبر ظني أنه ذكر صلاة الظهر ) هو قول ابن سيرين ، أي : أكبر ظني أن أبا هريرة ذكر صلاة الظهر ، وكذا ذكره البخاري في كتاب الأدب ، وأطلق على الظهر والعصر صلاتي العشي ؛ لأن العشي يطلق على ما بعد الزوال إلى المغرب ، ( ( فإن قلت ) ) : قال الجوهري : العشي ، والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة ، ( قلت ) : الذي ذكره هو أصل الوضع ، وفي الاستعمال يطلق على ما ذكرناه ، وقال الأزهري : العشي بفتح العين وكسر الشين وتشديد الياء : ما بين زوال الشمس وغروبها . قوله : ( معروضة ) ، أي : موضوعة بالعرض ، أو مطروحة في ناحية المسجد . قوله : ( وضع يده اليمنى ) يحتمل أن يكون هذا الوضع حال التشبيك ، وأن يكون بعد زواله ، وعند الكشميهني ( وضع خده الأيمن ) بدل ( يده اليمنى ) . قوله : ( السرعان ) قال الجوهري : سرعان الناس بالتحريك أوائلهم ، ويقال : أخفاؤهم ، والمستعجلون منهم ، ويلزم الإعراب نونه في كل وجه ، وهو الصواب الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة ، وكذا ضبطه المتقنون ، وقال ابن الأثير : السرعان بفتح السين ، والراء : أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة ، ويجوز تسكين الراء ، ( قلت ) : وكذا نقل القاضي عن بعضهم قال : وضبطه الأصيلي في البخاري بضم السين وإسكان الراء ، ووجهه أنه جمع سريع كقفيز وقفزان ، وكثيب وكثبان ، ومن قال سرعان بكسر السين ، فهو خطأ ، وقيل : يقال أيضا : سرعان بكسر السين ، وسكون الراء ، وهو جمع سريع ، كرعيل ورعلان ، وأما قولهم : سرعان ما فعلت ، ففيه ثلاث لغات : الضم ، والكسر ، والفتح مع إسكان الراء ، والنون مفتوحة أبدا . قوله : (قصرت الصلاة ) بضم القاف وكسر الصاد ، ويروى بفتح القاف وضم الصاد . قوله : ( فهاباه ) ، أي : هاب أبو بكر وعمر النبي [ ص: 264 ] صلى الله عليه وسلم ، ويروى : ( فهابا ) بدون الضمير المنصوب ، وهو من الهيبة ، وهو الخوف ، والإجلال ، وقد هابه يهابه ، والأمر منه هب بفتح الهاء . قوله : ( أن يكلماه ) كلمة أن مصدرية ، والتقدير : من التكليم . قوله : ( وفي القوم رجل ) جملة اسمية وقعت حالا . قوله : ( ذو اليدين ) فيه روايات ، ففي رواية الطحاوي : ( فقام رجل طويل اليدين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه ذا اليدين ) ، وفي رواية : ( فقام ذو اليدين ) ، وفي رواية : ( فقام رجل من بني سليم ) ، وفي رواية : ( رجل يقال له الخرباق بن عمرو ، وكان في يديه طول ) ، وفي رواية : ( كان رجلا بسيط اليدين ) وقع ذلك في رواية الطحاوي في حديث عمران بن حصين : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر ثلاث ركعات ، ثم سلم وانصرف ، فقال له الخرباق : يا رسول الله ، إنك صليت ثلاثا ، قال : فجاء فصلى ركعة ، ثم سجد سجدتين للسهو ، ثم سلم ) ، وأخرجه أحمد أيضا في ( مسنده ) ، والطبراني في ( الكبير ) .

                                                                                                                                                                                  وخرباق بكسر الخاء المعجمة بن عبد عمرو السلمي ، وهو الذي يقال له : ذو اليدين ، وذو الشمالين أيضا ، وكلاهما لقب عليه ، وقال السمعاني في الأنساب : ذو اليدين ، ويقال له ذو الشمالين ؛ لأنه كان يعمل بيديه جميعا ، وقال ابن حبان في ( الثقات ) ذو اليدين ويقال له ذو الشمالين أيضا ابن عبد عمرو بن فضلة الخزاعي ، وقال أبو عبد الله العدني في ( مسنده ) قال أبو محمد الخزاعي : ذو اليدين أحد أجدادنا ، وهو ذو الشمالين بن عبد عمرو بن ثور بن ملكان بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر ، وقال ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا ابن فضيل ، عن حصين ، عن عكرمة قال : ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس ثلاث ركعات ، ثم انصرف ، فقال له بعض القوم : حدث في الصلاة شيء ؟ قال : وما ذلك ؟ قالوا : لم نصل إلا ثلاث ركعات ، فقال : أكذاك يا ذا اليدين ؟ وكان يسمى ذا الشمالين ، فقال : نعم ، فصلى ركعة وسجد سجدتين ) ، وقال ابن الأثير في ( معرفة الصحابة ) ذو اليدين اسمه الخرباق من بني سليم ، كان نزل بذي خشب من ناحية المدينة ، وليس هو ذا الشمالين ، خزاعي حليف لبني زهرة ، قتل يوم بدر ، وإن قصة ذي الشمالين كانت قبل بدر ، ثم أحكمت الأمور بعد ذلك ، وقال القاضي عياض في ( شرح مسلم ) ، وأما حديث ذي اليدين فقد ذكر مسلم في حديث عمران بن الحصين أن اسمه الخرباق ، وكان في يديه طول ، وفي الرواية الأخرى : بسيط اليدين ، وفي حديث أبي هريرة : رجل من بني سليم ، ووقع للعذري سلم ، وهو خطأ ، وقد جاء في حديث عبيد بن عمير مفسرا ، فقال فيه : ذو اليدين أخو بني سليم ، وفي رواية الزهري : ذو الشمالين رجل من بني زهرة ، وبسبب هذه الكلمة ذهب الحنفيون إلى أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود ، قالوا : لأن ذا الشمالين قتل يوم بدر فيما ذكره أهل السير ، وهو من بني سليم ، فهو ذو اليدين المذكور في الحديث ، وهذا لا يصح لهم ، وإن كان قتل ذو الشمالين يوم بدر ، فليس هو بالخرباق ، وهو رجل آخر حليف لبني زهرة اسمه عمير بن عبد عمرو من خزاعة ، بدليل رواية أبي هريرة حديث ذي اليدين ومشاهدته خبره ، ولقوله : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الحديث ، وإسلام أبي هريرة بخيبر بعد يوم بدر بسنتين ، فهو غير ذي الشمالين المستشهد ببدر ، وقد عدوا قول الزهري فيه هذا من وهمه ، وقد عدهما بعضهم حديثين في نازلتين ، وهو الصحيح ، لاختلاف صفتهما ؛ لأن في حديث الخرباق : ذا الشمالين أنه سلم من ثلاث ، وفي حديث ذي اليدين من اثنتين ، وفي حديث الخرباق إنها العصر ، وفي حديث ذي اليدين الظهر بغير شك عند بعضهم ، وقد ذكر مسلم ذلك كله . انتهى ، وقال أبو عمر : ذو اليدين غير ذي الشمالين المقتول ببدر ، بدليل ما في حديث أبي هريرة ، وأما قول الزهري في هذا الحديث : إنه ذو الشمالين ، فلم يتابع عليه ، ( قلت ) : الجواب عن ذلك كله مع تحرير الكلام في هذا الموضع أنه وقع في كتاب النسائي أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد كلاهما لقب على الخرباق ، كما ذكرنا ، حيث قال : أخبرنا محمد بن رافع ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة ، عن أبي هريرة قال : ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ، أو العصر ، فسلم من ركعتين فانصرف ، فقال له ذو الشمالين ابن عمرو : أنقصت الصلاة أم نسيت ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما يقول ذو اليدين ؟ قالوا : صدق يا رسول الله . فأتم بهم الركعتين اللتين نقصتا ) ، وهذا سند صحيح متصل صرح فيه بأن ذا الشمالين هو ذو اليدين ، وقال النسائي أيضا : إن هارون بن موسى الفروي ، حدثني أبو ضمرة ، عن يونس ، عن ابن شهاب قال : أخبرني أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : ( نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلم في سجدتين ، فقال ذو الشمالين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصدق ذو اليدين ؟ قالوا : نعم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة ) ، وهذا أيضا سند صحيح صرح فيه أيضا أن ذا الشمالين ، وهو ذو اليدين ، وقد تابع الزهري على ذلك [ ص: 265 ] عمران بن أبي أنس ، قال النسائي : أخبرنا عيسى بن حماد ، أخبرنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمران بن أبي أنس ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : ( أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صلى يوما ، فسلم في ركعتين ، ثم انصرف ، فأدركه ذو اليدين ، فقال : يا رسول الله ، أنقصت الصلاة أم نسيت ؟ ، فقال : لم تنقص الصلاة ، ولم أنس ، قال : بلى ، والذي بعثك بالحق ، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أصدق ذو اليدين ؟ قالوا : نعم ، فصلى بالناس ركعتين ) ، وهذا أيضا سند صحيح على شرط مسلم ، وأخرج نحوه الطحاوي عن ربيع المؤذن ، عن شعيب بن الليث ، عن الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب إلى آخره نحوه ، فثبت أن الزهري لم ينفرد بذلك ، وأن المخاطب للنبي صلى الله عليه وسلم ذو الشمالين ، وأن من قال ذلك لم يهم ، ولا يلزم من عدم تخريج ذلك في الصحيح عدم صحته ، فثبت أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد ، وهذا أولى من جعله رجلين ؛ لأنه خلاف الأصل في هذا الموضع ، ( ( فإن قلت ) ) : أخرج البيهقي حديثا واستدل به على بقاء ذي اليدين بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقال : الذي قتل ببدر هو ذو الشمالين بن عبد عمرو بن فضلة حليف بني زهرة من خزاعة ، وأما ذو اليدين الذي أخبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بسهوه ، فإنه بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، كذا ذكره شيخنا أبو عبد الله الحافظ ، ثم خرج عنه بسنده إلى معدي بن سليمان ، قال : حدثني شعيب بن مطير ، عن أبيه ، ومطير حاضر ، فصدقه ، قال شعيب : يا أبتاه ، أخبرتني أن ذا اليدين لقيك بذي خشب فأخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . الحديث ، ثم قال البيهقي : وقال بعض الرواة في حديث أبي هريرة ، فقال ذو الشمالين : يا رسول الله ، أقصرت الصلاة ، وكان شيخنا أبو عبد الله يقول : كل من قال ذلك فقد أخطأ ، فإن ذا الشمالين تقدم موته ، ولم يعقب ، وليس له راو ، ( قلت ) : سنده ضعيف ؛ لأن فيه معدي بن سليمان ، فقال أبو زرعة : واهي الحديث ، وقال النسائي : ضعيف الحديث ، وقال أبو حاتم : يحدث عن ابن عجلان مناكير ، وقال ابن حبان : يروي المقلوبات عن الثقات ، والملزوقات عن الأثبات ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ، وفي سنده أيضا شعيب لم يعرف حاله ، وولده مطير قال فيه ابن الجارود : روى عنه ابنه شعيب ، لم يكتب حديثه ، وفي ( الضعفاء ) للذهبي : لم يصح حديثه ، وفي ( الكاشف ) مطير بن سليم عن ذي الزوائد ، وعنه أبناء شعيب وسليم لم يصح حديثه . ولضعف هذا السند قال البيهقي في ( كتاب المعرفة ) ذو اليدين بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقال ، ولقد أنصف وأحسن في هذه العبارة ، ثم إن قول شيخه أبي عبد الله : كل من قال ذلك فقد أخطأ غير صحيح ، روى مالك في ( موطئه ) عن ابن شهاب ، عن ابن أبي بكر بن سليمان ، عن أبي خيثمة : ( بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار الظهر ، أو العصر ، فسلم من اثنتين ، فقال له ذو الشمالين ، رجل من بني زهرة بن كلاب : أقصرت الصلاة ) الحديث ، وفي آخره : مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن مثل ذلك ، فقد صرح في هذه الرواية أنه ذو الشمالين ، وأنه من بني زهرة ، ( ( فإن قلت ) ) : هو مرسل ، ( قلت ) : ذكر أبو عمر في ( التمهيد ) أنه متصل من وجوه صحاح ، والدليل عليه ما ذكرنا مما رواه النسائي آنفا ، ثم قول الحاكم عن ذي الشمالين : لم يعقب يفهم من ظاهره أن ذا اليدين أعقب ، ولا أصل لذلك فيما قد علمناه ، والله تعالى أعلم ، ( ( فإن قلت ) ) : إن ذا اليدين وذا الشمالين إذا كانا لقبا على شخص واحد على ما زعمتم فحينئذ يدل على أن أبا هريرة لم يحضر تلك الصلاة ، وذلك لأن ذا اليدين الذي هو ذو الشمالين قتل ببدر ، وأبو هريرة أسلم عام خيبر ، وهو متأخر بزمان كثير ، ومع هذا فأبو هريرة يقول : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي إما الظهر ، أو العصر ) الحديث ، وفيه : ( فقام ذو اليدين ، فقال : يا رسول الله ) أخرجه مسلم وغيره ، وفي رواية : ( صلى بنا رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فسلم في ركعتين ، فقام ذو اليدين ) الحديث ، ( قلت ) : أجاب الطحاوي بأن معناه : صلى بالمسلمين ، وهذا جائز في اللغة كما روي عن النزال بن سبرة قال : ( قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف ) الحديث ، والنزال لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما أراد بذلك : قال لقومنا ، وروي عن طاوس قال : ( قدم علينا معاذ بن جبل ، فلم يأخذ من الخضراوات شيئا ) ، وإنما أراد : قدم بلدنا ؛ لأن معاذا قدم اليمن في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قبل أن يولد طاوس ، ومثله ما ذكره البيهقي في باب البيان أن النهي مخصوص ببعض الأمكنة عن مجاهد قال : جاءنا أبو ذر رضي الله تعالى عنه . . . إلى آخره ، قال البيهقي : مجاهد لا يثبت له سماع من أبي ذر . وقوله : ( جاءنا ) ، أي : جاء بلدنا فافهم .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( لم أنس ، ولم تقصر ) ، أي : الصلاة ، وفي رواية مسلم : ( كل ذلك لم يكن ) ، وفي رواية أبي داود : ( كل ذلك لم أفعل ) قال [ ص: 266 ] النووي فيه : تأويلان ، أحدهما : أن معناه : لم يكن المجموع ، ولا ينفي وجود أحدهما ، والثاني هو الصواب ، معناه : لم يكن لا ذلك ولا ذا في ظني ، بل ظني أني أكملت الصلاة أربعا ، ويدل على صحة هذا التأويل ، وأنه لا يجوز غيره أنه جاء في رواية للبخاري في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لم تقصر ، ولم أنس ) ويقال : لم أنس يرجع إلى السلام ، أي : لم أنس فيه ، إنما سلمت قصدا ، ولم أنس في نفس السلام ، وإنما سهوت عن العدد ، قال القرطبي : وهذا فاسد ؛ لأنه حينئذ لا يكون جوابا عما سئل عنه ، ويقال : بين النسيان ، والسهو فرق ، فقيل : كان صلى الله عليه وسلم يسهو ، ولا ينسى ، فلذلك نفى عن نفسه النسيان ؛ لأن فيه غفلة ، ولم يغفل ، قاله القاضي ، وقال القشيري : هذا الفرق بينهما في استعمال اللغة ، وكأنه يلوح من اللفظ على أن النسيان عدم الذكر لأمر لا يتعلق بالصلاة ، والسهو عدم الذكر لأمر يتعلق بها ، ويكون النسيان الإعراض عن تفقد أمورها حتى يحصل عدم الذكر ، والسهو عدم الذكر لا لأجل الإعراض ، وقال القرطبي : لا نسلم الفرق ، ولئن سلم فقد أضاف النبي صلى الله عليه وسلم النسيان إلى نفسه في غير ما موضع بقوله : ( إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ) ، وقال القاضي : إنما أنكر صلى الله عليه وسلم نسيت المضافة إلى نفسه ، وهو قد نهى عن هذا بقوله : ( بئسما لأحدكم أن يقول : نسيت كذا ، ولكنه نسي ) ، وقد قال أيضا : لا أنسى على النفي ، ولكن أنسى ، وقد شك بعض الرواة في روايته ، فقال أنسى ، أو أنسى ، وأن أو للشك ، أو للتقسيم ، وأن هذا يكون منه مرة من قبل شغله ، ومرة يغلب ويجبر عليه ، فلما سأله السائل بذلك أنكره ، وقال : ( كل ذلك لم يكن ) ، وفي الأخرى : ( لم أنس ، ولم تقصر ) أما القصر فبين ، وكذلك لم أنس حقيقة من قبل نفسي ، ولكن الله تعالى أنساني ، ويمكن أن يجاب عما قاله القاضي أن النهي في الحديث عن إضافة نسيت إلى الآية الكريمة ؛ لأنه يقبح للمؤمن أن يضيف إلى نفسه نسيان كلام الله تعالى ، ولا يلزم من هذا النهي الخاص النهي عن إضافته إلى كل شيء فافهم ، وذكر بعضهم أن العصمة ثابتة في الإخبار عن الله تعالى ، وأما إخباره عن الأمور الوجودية فيجوز فيها النسيان ، ( قلت ) : تحقيق الكلام في هذا المقام أن قوله : لم أنس ، ولم تقصر الصلاة مثل قوله : كل ذلك لم يكن ، والمعنى : كل من القصر ، والنسيان لم يكن ، فيكون في معنى لا شيء منهما بكائن على شمول النفي وعمومه لوجهين : أحدهما : أن السؤال عن أحد الأمرين بأم يكون لطلب التعيين بعد ثبوت أحدهما عند المتكلم لا على التعيين ، غير أنه إنما يكون بالتعيين ، أو بنفيهما جميعا تخطئة للمستفهم لا بنفي الجمع بينهما حتى يكون نفي العموم ؛ لأنه عارف بأن الكائن أحدهما .

                                                                                                                                                                                  والثاني : لما قال صلى الله عليه وسلم : كل ذلك لم يكن ، قال له ذو اليدين : قد كان بعض ذلك ، ومعلوم أن الثبوت للبعض إنما ينافي النفي عن كل فرد لا النفي عن المجموع . وقوله : قد كان بعض ذلك موجبة جزئية ، ونقيضها السالبة الكلية ، ولولا أن ذا اليدين فهم السلب الكلي لما ذكر في مقابلته الإيجاب الجزئي ، وهاهنا قاعدة أخرى ، وهي أن لفظة كل إذا وقعت في حيز النفي كان النفي موجبها خاصة ، وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد ، كقولك : ما جاء كل القوم ، ولم آخذ كل الدراهم . وقوله

                                                                                                                                                                                  ما كل ما يتمنى المرء يدركه

                                                                                                                                                                                  ، وإن وقع النفي في حيزها اقتضى السلب عن كل فرد ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل ذلك لم يكن ) . قوله : ( أكما يقول ذو اليدين ) ، أي : الأمر كما يقول . قوله : ( فقالوا : نعم ) ، وفي رواية للبخاري : ( فقال الناس : نعم ) ، وفي رواية أبي داود : ( فأومئوا ) ، أي : نعم ، وفي أكثر الأحاديث قالوا : نعم ، ويمكن أن يجمع بينهما بأن بعضهم أومأ ، وبعضهم تكلم ، وسنذكر وجه هذا عن قريب . قوله : ( فربما سألوه ) فربما سألوا ابن سيرين هل في الحديث ، ثم سلم ، يعني سألوا ابن سيرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا السجود سلم مرة أخرى ، أو اكتفى بالسلام الأول ، وكلمة رب أصلها للتقليل ، وكثر استعمالها في التكثير ، وتلحقها كلمة ما فتدخل على الجمل . قوله : ( فيقول : نبئت ) بضم النون ، أي : أخبرت أن عمران بن حصين قال : ثم سلم ، وهذا يدل على أنه لم يسمع من عمران ، وقد بين أبو داود في روايته عن ابن سيرين الواسطة بينه وبين عمران ، فقال : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى قال : حدثني أشعث ، عن محمد بن سيرين ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين : ( أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صلى بهم وسها ، فسجد سجدتين ، ثم تشهد ، ثم سلم ) ورواه النسائي ، والترمذي ، وقال : حسن غريب ، ورواه الطحاوي من حديث شعبة عن خالد الحذاء قال : سمعت أبا قلابة يحدث عن عمه أبي المهلب ، عن عمران بن حصين : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر ثلاث ركعات ، ثم سلم وانصرف ، فقال له الخرباق : يا رسول الله ، إنك صليت ثلاثا ، قال : فجاء ، فصلى ركعة ، ثم سلم ، ثم سجد سجدتين للسهو ، ثم سلم ) وأبو قلابة اسمه عبد الله بن زيد الحرمي ، وعمه أبو المهلب اسمه عمرو بن معاوية ، قاله النسائي ، وقيل : عبد الرحمن بن معاوية ، وقيل : معاوية بن عمرو ، وقيل : عبد الرحمن بن [ ص: 267 ] عمرو ، وقيل : النضر بن عمرو ، وفي رواية أبي داود : رواية الأكابر عن الأصاغر .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستنبط منه من الأحكام ) ، وهو على وجوه ، الأول : أن فيه دليلا على أن سجود السهو سجدتان ، الثاني : فيه حجة لأصحابنا الحنفية أن سجدتي السهو بعد السلام ، وهو حجة على الشافعي ومن تبعه في أنها قبل السلام .

                                                                                                                                                                                  الثالث : أن الذي عليه السهو إذا ذهب من مقامه ، ثم عاد وقضى ما عليه هل يصح ؟ فظاهر الحديث يدل على أنه يصح ؛ لأنه قال في رواية عمران بن حصين : ( فجاء فصلى ركعة ) ، وفي رواية غيره من الجماعة : ( فتقدم وصلى ) ، وهو رواية البخاري هاهنا ، وفي رواية : ( فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه ) ، ولكن اختلف الفقهاء في هذه المسألة ، فعند الشافعي فيها وجهان : أصحهما أنه يصح ؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم : ( أنه عليه السلام مشى إلى الجذع وخرج السرعان ) ، وفي رواية : ( دخل منزله ) ، وفي رواية : ( دخل الحجرة ، ثم خرج ورجع الناس وبنى على صلاته ) ، والوجه الثاني ، وهو المشهور عندهم : أن الصلاة تبطل بذلك ، قال النووي : وهذا مشكل ، وتأويل الحديث صعب على من أبطلها ، ونقل عن مالك أنه ما لم ينتقض وضوؤه يجوز له ذلك ، وإن طال الزمان ، وكذا روي عن ربيعة مستدلين بحديث عمران ، ومذهب أبي حنيفة في هذه المسألة إذا سلم ساهيا على الركعتين وهو في مكانه لم يصرف وجهه عن القبلة ، ولم يتكلم عاد إلى القضاء لما عليه ، ولو اقتدى به رجل يصح اقتداؤه به ، أما إذا صرف وجهه عن القبلة ، فإن كان في المسجد ، ولم يتكلم فكذلك ؛ لأن المسجد كله في حكم مكان واحد ؛ لأنه مكان الصلاة ، وإن كان خرج من المسجد ، ثم تذكر لا يعود ، وتفسد صلاته ، وأما إذا كان في الصحراء ، فإن تذكر قبل أن يجاوز الصفوف من خلفه ، أو من قبل اليمين ، أو اليسار عاد إلى قضاء ما عليه ، وإلا فلا ، وإن مشى أمامه لم يذكره في الكتاب . وقيل : إن مشى قدر الصفوف التي خلفه تفسد ، وإلا فلا ، وهو مروي عن أبي يوسف اعتبارا لأحد الجانبين ، وقيل : إذا جاوز موضع سجوده لا يعود ، وهو الأصح ، وهذا إذا لم يكن بين يديه سترة ، فإن كان يعود ما لم يجاوزها ؛ لأن داخل السترة في حكم المسجد ، والله أعلم ، وأجابوا عن الحديث أنه منسوخ ، وذلك أن عمر بن الخطاب عمل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما كان صلى الله عليه وسلم عمله يوم ذي اليدين ، والحال أنه كان فيمن حضر يوم ذي اليدين ، فلولا ثبت عنده انتساخ ذلك لما عمل بخلاف ما عمل به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأيضا ، فإن عمر فعل ذلك بحضرة الصحابة ، ولم ينكر عليه أحد ، فصار ذلك منهم إجماعا ، وروى الطحاوي ذلك عن ابن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عثمان بن الأسود قال : ( سمعت عطاء يقول : صلى عمر بن الخطاب بأصحابه ، فسلم في ركعتين ، ثم انصرف ، فقيل له في ذلك ، فقال : إني جهزت عيرا من العراق بأحمالها وأقتابها حتى وردت المدينة ، قال : فصلى بهم أربع ركعات ) الرابع : استدل به قوم على أن الكلام في الصلاة من المأمومين لإمامهم إذا كان على وجه إصلاح الصلاة لا يقطع الصلاة ، وأن الكلام من الإمام والمأمومين فيها على السهو لا يقطع الصلاة ، وهو مذهب مالك ، وربيعة ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وقال أبو عمر بن عبد البر : وذهب الشافعي وأصحابه إلى أن الكلام والسلام ساهيا في الصلاة لا يبطلها كقول مالك وأصحابه سواء ، وإنما الخلاف بينهم أن مالكا يقول : لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيما إذا كان في شأنها وإصلاحها ، وهو قول ربيعة ، وابن القاسم ، إلا ما روي عنه في المنفرد ، وهو قول أحمد بن حنبل ، ذكره الأثرم عنه أنه قال : ما تكلم به الإنسان في صلاته لإصلاحها لم تفسد عليه صلاته ، فإن تكلم لغير ذلك فسدت عليه ، وذكر الخرقي عنه أن مذهبه فيمن تكلم عامدا ، أو ساهيا بطلت صلاته ، إلا الإمام خاصة ، فإنه إذا تكلم لمصلحة صلاته لم تبطل صلاته ، وقال الشافعي وأصحابه ومن تابعهم من أصحاب مالك وغيرهم : إن من تعمد الكلام ، وهو يعلم أنه لم يتم الصلاة ، وأنه فيها أفسد صلاته ، فإن تكلم ناسيا ، أو تكلم وهو يظن أنه ليس في الصلاة لا يبطلها ، قال النووي : وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف ، وهو قول ابن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وأخيه عروة ، وعطاء ، والحسن ، والشعبي ، وقتادة ، والأوزاعي ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وجميع المحدثين ، وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري في أصح الروايتين عنه : تبطل صلاته بالكلام ناسيا ، أو جاهلا . انتهى ، وأجمع المسلمون طرا أن الكلام عامدا في الصلاة إذا كان المصلي يعلم أنه في الصلاة ، ولم يكن ذلك لإصلاح صلاته ، أنه يفسد الصلاة ، إلا ما روي عن الأوزاعي أنه من تكلم لإحياء نفس ، أو مثل ذلك من الأمور الجسام لم تفسد بذلك صلاته ، وهو قول ضعيف في النظر ، وقال القاضي عياض : المشهور عن مالك وأصحابه الأخذ بحديث [ ص: 268 ] ذي اليدين ، وروي عنه ترك الأخذ به ، وأنه كان يستحب أن يعيد ، ولا يبني ، قال : وإنما تكلم النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه ؛ لأنهم ظنوا أن الصلاة قصرت ، ولا يجوز ذلك لأحدنا اليوم ، وقال الحارث بن مسكين : أصحاب مالك كلهم قالوا : كان هذا أول الإسلام ، وأما الآن فمن تكلم فيها أعادها .

                                                                                                                                                                                  الخامس : فيه دليل على أن من قال ناسيا : لم أفعل كذا ، وكان قد فعله أنه غير كاذب .

                                                                                                                                                                                  السادس : فيه جواز التلقيب الذي سبيله التعريف دون التهجين .

                                                                                                                                                                                  السابع : فيه الإجزاء بسجدتين عن السهوات ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سها عن الركعتين وتكلم ناسيا واقتصر على السجدتين .

                                                                                                                                                                                  الثامن : فيه دليل على جواز تشبيك الأصابع في المسجد على ما ترجم عليه الباب .

                                                                                                                                                                                  ( الأسئلة والأجوبة ) الأول : كيف تكلم ذو اليدين والقوم وهم في الصلاة بعد ؟ وأجيب : بأنهم لم يكونوا على اليقين من البقاء في الصلاة ؛ لأنهم كانوا مجوزين نسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين ، وقال النووي : إن هذا كان خطابا للنبي عليه الصلاة والسلام وجوابا ، وذلك لا يبطل عندنا ولا عند غيرنا ، وفي رواية لأبي داود بإسناد صحيح : ( أن الجماعة أومئوا ) ، أي : أشاروا : نعم ، فعلى هذه الرواية لم يتكلموا .

                                                                                                                                                                                  الثاني : قيل فيه إشكال على مذهب الشافعي ؛ لأن عندهم أنه لا يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره ، إماما كان أو مأموما ، ولا يعمل إلا على يقين نفسه ، وأجاب النووي عن ذلك بأنه صلى الله تعالى عليه وسلم سألهم ليتذكر ، فلما ذكروه تذكر ، فعلم السهو ، فبنى عليه ، لا أنه رجع إلى مجرد قولهم ، ولو جاز ترك يقين نفسه ، والرجوع إلى قول غيره لرجع ذو اليدين حين قال النبي عليه الصلاة والسلام : لم تقصر ، ولم أنس ، ( قلت ) : هذا ليس بجواب مخلص ؛ لأنه لا يخلو من الرجوع ، سواء كان رجوعه للتذكرة ، أو لغيره ، وعدم رجوع ذي اليدين كان لأجل كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لا لأجل يقين نفسه ، وقال ابن القصار : اختلفت الرواة في هذا عن مالك ، فمرة قال : يرجع إلى قولهم ، وهو قول أبي حنيفة ؛ لأنه قال : يبني على غالب ظنه ، وقال مرة أخرى : يعمل على يقينه ، ولا يرجع إلى قولهم كقول الشافعي ، الثالث : قد روي في بعض روايات مسلم في قصة ذي اليدين أن أبا هريرة قال : ( بينا أنا أصلي مع النبي عليه الصلاة والسلام صلاة الظهر ) الحديث ، وهذا صريح أنه حضر تلك الصلاة ، والجواب عنه قد ذكرناه عن الطحاوي عن قريب ، وقيل : يحتمل أن بعض الرواة فهم من قول أبي هريرة في إحدى رواياته : ( صلى بنا ) أنه كان حاضرا فروى الحديث بالمعنى على زعمه ، وقال : بينا أنا أصلي .

                                                                                                                                                                                  الرابع : هل في حديث عمران بن حصين أنه صلى الله عليه وسلم دخل منزله ، ولا يجوز لأحد اليوم أن ينصرف عن القبلة ويمشي وقد بقي عليه شيء من الصلاة ؟ أجيب بأنه فعل ذلك وهو لا يرى أنه في الصلاة ، ( فإن قيل ) فيلزم على هذا لو أكل ، أو شرب ، أو باع ، أو اشترى وهو لا يرى أنه في الصلاة أنه لا يخرجه ذلك منها ، ( قلت ) : هذا كله منسوخ ، فلا يعمل به اليوم ، والله تعالى أعلم .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية