الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          193 - فصل في تلخيص هذه الأقوال التي حكيناها .

                          فمنها قولان من جنس واحد وهما :

                          [ الأول : ] قول من يقول : ولدوا على ما سبق به القدر .

                          [ ص: 1069 ] و

                          [ الثاني : ] قول من يقول : ولدوا على وجود المقدر ، وكانوا مفطورين عليه من حين الميثاق الأول طوعا وكرها .

                          وقولان من جنس ، وهما :

                          [ الأول : ] قول من يقول : ولدوا قادرين على المعرفة .

                          و

                          [ الثاني : ] قول من يقول : ولدوا قابلين لها وللتهود ، والتنصر ، إما مع التساوي ، أو مع رجحان القبول للإسلام .

                          وقولان من جنس ، وهما :

                          [ الأول : ] قول من يقول : ولدوا على فطرة الإسلام .

                          و

                          [ الثاني : ] قول من يقول : ولدوا على الإقرار بالصانع ، أو على المعرفة الأولى يوم أخذ الميثاق .

                          وقولان من جنس ، وهما :

                          [ الأول : ] قول من يقول : ولدوا على سلامة القلب ، وخلوه من الكفر والإيمان .

                          و

                          [ الثاني : ] قول من يقول : ولدوا مهيئين لذلك قابلين له .

                          وقولان من جنس ، وهما :

                          [ الأول : ] قول من يقول : الحديث منسوخ .

                          و

                          [ الثاني : ] قول من يقف في معناه .

                          والصحيح من هذه الأقوال ما دل عليه القرآن ، والسنة أنهم ولدوا حنفاء على فطرة الإسلام بحيث لو تركوا وفطرهم لكانوا حنفاء مسلمين ، [ ص: 1070 ] كما ولدوا أصحاء كاملي الخلقة ، فلو تركوا وخلقهم لم يكن فيهم مجدوع ، ولا مشقوق الأذن .

                          ولهذا لم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك شرطا مقتضيا غير الفطرة ، وجعل خلاف مقتضاها من فعل الأبوين .

                          وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه عز وجل : " إني خلقت عبادي حنفاء ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " ، فأخبر أن تغيير الحنيفية التي خلقوا عليها بأمر طارئ من جهة الشيطان ، ولو كان الكفار منهم مفطورين على الكفر لقال : خلقت عبادي مشركين ، فأتتهم الرسل فاقتطعتهم عن ذلك ، كيف وقد قال : " خلقت عبادي حنفاء كلهم " ؟ فهذا القول أصح الأقوال ، والله أعلم .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية